أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أيّتها الناشطة.. لن نحرق دمشق من أجلكِ

من دمشق - رويترز

في لحظة وقوع أي انتهاك، يتحرك جمهور الثورة فورًا. لا يحتاج إلى إملاءات من ناشطين يمسكون العصا من طرف واحد، ولا ينتظر من يرشده إلى طريق العدالة، لأنه في صلب هذا الطريق. هذا الجمهور، الذي ذاق القهر وخسر أبناءه وأحبّته، لا يساوم على الحق، ولا يتردد في المطالبة بمحاسبة المسيء أيًّا كان. فهو ولي دماء مليون شهيد.

لكن المأساة تكمن في بعض الأصوات التي لا ترى إلا بعين واحدة. أصواتٌ تنتقي مواقفها كما ينتقي التاجر بضاعته: تغضّ الطرف عن القاتل إن وافق هتافها، وتُشهر سيفها إن أخطأ من لا يعجبها. وكأن العدالة سلعة شخصية، لا مبدأ عام.

وهؤلاء أنفسهم، حين يرون خطأ من جهة رسمية، لا يسعون لإصلاحه، بل يطلقون عليه رصاص التعميم، ويحملون فأسهم لهدم ما بُني بشقّ الأنفس بعد التحرير. كأنما هدفهم ليس العدالة، بل الانتقام من التجربة نفسها، وكأنهم ينتظرون العثرة ليعلنوا أن الثورة فشلت، وأن لا جدوى من الدولة أو الحكومة أو أي خطوة على طريق البناء.

أيها الناشط أو "الناشطة" الانتقائي: يوسف اللباد لم يكن ابنكم وحدكم. كلنا بكيناه، وكلنا نطالب بحقه، وكلنا نريد محاسبة من تسبب بموته. الفرق أن جمهور الثورة لا يستثمر الدم، بل يثأر له بالحق. لا يخلط بين المسؤول والمشروع، ولا بين الخطأ والكيان.

لكن لماذا لم تنطق بكلمة واحدة عندما قُتل 140 "يوسف" ودُفنوا بمقبرة جماعية في السويداء، وعائلاتهم تبكي خوفًا وانتظارًا؟ 

نعم، هناك خطأ. نعم، هناك تقصير وربما جريمة. لكن الرد ليس بإشعال النار في البيت الذي بدأنا بإعماره من تحت الركام. ليس المطلوب إحراق روما، بل إصلاح أهلها، وتصويب المسار، ومحاسبة الجاني بلا هوادة.

من ارتكب خطأ سيُحاسب. ومن تقاعس عن أداء واجبه سيُسحب من موقعه. هذه ليست مزايدة، بل وعد من جمهور لا ينام على ظلم، ولا يصمت على انحراف، ولا يبدّل الثورة بالثأر. هؤلاء الذين أخرجوا بلدهم من قبضة الطغيان، لن يعيدوه إليها بيد نشطاء غاضبين يخلطون بين الدولة والخطيئة. 
الرحمة والعدل لكل "يوسف" في هذا البلد الأمين..

الحسين الشيشكلي - زمان الوصل
(203)    هل أعجبتك المقالة (11)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي