أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

التماس جديد لإصدار مذكرة توقيف دولية بحق بشار الأسد: دلائل وأبعاد

في خطوة قضائية جديدة تؤكد جدية القضاء الفرنسي في ملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية في سوريا، قدّم النائب العام الفرنسي المختص بمكافحة الإرهاب طلبًا رسميًا إلى قضاة التحقيق في الهيئة القضائية لمكافحة الإرهاب في باريس لإصدار مذكرة توقيف دولية جديدة بحق بشار الأسد. 

يأتي هذا الالتماس بعد صدور قرار من الهيئة العامة لمحكمة النقض الفرنسية قبل أيام بإلغاء المذكرة السابقة لأسباب إجرائية تتعلق بالحصانة الرئاسية، وهو ما لم يُغَيِّر من جوهر القضية ولا من ثقل الأدلة التي تربط النظام السوري باستخدام الأسلحة الكيميائية في عام 2013. 

أولًا: محكمة النقض تلغي مذكرة التوقيف السابقة بسبب الحصانة
في 25 يوليو 2025، أصدرت الهيئة العامة لمحكمة النقض الفرنسية قرارًا يقضي بنقض المذكرة الدولية الصادرة في 26 يونيو 2024 عن غرفة التحقيق في محكمة الاستئناف في باريس، والتي كانت قد أقرّت بصحة مذكرة التوقيف الدولية بحق بشار الأسد. وجاء قرار النقض لاعتبار إجرائي بحت، تمثل في كون الأسد كان يشغل منصب رئيس دولة عند إصدار المذكرة، وبالتالي يتمتع بـالحصانة الشخصية التي تعترف بها القوانين الفرنسية والدولية لرؤساء الدول أثناء وجودهم في الحكم.

لم يتناول قرار المحكمة مشروعية التهم أو الأدلة المتعلقة بالهجمات الكيميائية في الغوطة ودوما يومي 4 و5 أغسطس 2013، وإنما اقتصر على الناحية الشكلية المتعلقة بالتوقيت القانوني لإصدار المذكرة. ويُفهم من القرار أن التحقيقات الفرنسية لم تُلْغَ ولم تُشكَّك بها المحكمة، وهو ما أكّده بقاء مذكرة التوقيف الصادرة بحق حاكم مصرف سوريا المركزي السابق سارية المفعول، ما يدل على أن القضية تستند إلى إثباتات قوية تدين النظام.
 
ثانيًا: التماس جديد من النيابة العامة لمكافحة الإرهاب
في تطور مهم بتاريخ 28 يوليو 2025، تقدّم النائب العام الفرنسي المختص بمكافحة الإرهاب بطلب جديد لإصدار مذكرة توقيف دولية ضد بشار الأسد. يُعدُّ هذا التدخل القضائي من جهة مكافحة الإرهاب الفرنسية ذا أهمية بالغة، لأن النيابة العامة لمكافحة الإرهاب لا تتدخل إلا في القضايا ذات البعد الأمني الاستراتيجي والتي تمس الأمن القومي الفرنسي أو تشكّل خطرًا على المجتمع الدولي.

وتُعرف النيابة العامة لمكافحة الإرهاب بأنها تعمل على أساس تقييم أمني دقيق للقرائن والأدلة، وعادة ما يصعب الطعن في قراراتها أمام القضاء بسبب استنادها إلى معلومات استخباراتية موثوقة وتعاون دولي واسع النطاق. 

يختلف هذا النوع من التقييم تمامًا عن تلك التي تقوم بها النيابة العامة الجنائية العادية، والتي غالبًا ما تكون قراراتها محلية الطابع وسهلة النقض عند الطعن. 

فالتماس مذكرة التوقيف الجديد، في ظل زوال الحصانة الرئاسية عن الأسد بعد خروجه من الحكم في ديسمبر 2024، بات محصنًا قانونيًا من أي طعن إجرائي، ما يجعل إصدار المذكرة الجديدة وشيكًا ومجرد مسألة وقت. 

وقد سبقت محكمة استئناف باريس في مراحل سابقة من القضية أن ناقشت الأدلة والوقائع وأقرّت صحتها، مما يدعم المسار القضائي الجديد ويقوّيه أمام أي مراجعة مستقبلية. 

ثالثًا: التوجه الأوروبي نحو مذكرات توقيف متعددة ضد نظام الأسد
من المتوقع أن يؤدي إصدار فرنسا لمذكرة توقيف جديدة ضد بشار الأسد إلى سلسلة من التحركات القضائية المشابهة في عدد من الدول الأوروبية التي تعتمد مبدأ "الاختصاص القضائي العالمي"، مثل ألمانيا والسويد وهولندا. إذ تسمح قوانين هذه الدول بملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية بغض النظر عن مكان وقوع الجريمة أو جنسية المتهم. 

كما أن نفس الأدلة والشهادات التي قُدمت في فرنسا يمكن أن تُستخدم كأساس قانوني لإصدار مذكرات توقيف في دول أخرى، ما يعزز من إحاطة الأسد ومساعديه بشبكة قانونية دولية تمنعهم من السفر وتزيد الضغط السياسي والدبلوماسي عليهم. 

رابعًا: المحكمة الجنائية الدولية خيار مطروح دون الحاجة إلى مجلس الأمن
على الرغم من أن سوريا ليست طرفًا في نظام روما الأساسي المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، فإن تحركًا فرنسيًا مباشرًا قد يُمهّد الطريق لرفع القضية إلى المحكمة الدولية، استنادًا إلى المادة 14 من النظام، والتي تمنح الدول الأعضاء صلاحية إحالة قضايا جرائم ضد الإنسانية إلى المدعي العام، دون الحاجة إلى قرار من مجلس الأمن الدولي.

وقد لجأت فرنسا سابقًا إلى هذا الأسلوب في قضية الجرائم المرتكبة في أوكرانيا من قبل روسيا، ما يشكّل سابقة قانونية يُمكن استخدامها لتبرير تحرك مماثل بشأن الجرائم المرتكبة في سوريا، خاصة الهجمات الكيميائية، التي تُعد من أبشع الجرائم المحظورة بموجب القانون الدولي.

ويدعم هذا الاتجاه القرار الصادر عن محكمة النقض الفرنسية في 12 مايو 2023، والذي اعتبر أن شرط الإقامة في فرنسا لم يعد ضروريًا لملاحقة المشتبه بهم في الجرائم ضد الإنسانية، طالما أن هذه الجرائم تُعتبر مُجرَّمة في الدولة التي وقعت فيها. وقد فتح هذا القرار الباب واسعًا أمام ممارسة فرنسا لاختصاصها العالمي في قضايا مماثلة، لا سيما في ظل تصاعد مطالب إنهاء الإفلات من العقاب على مستوى دولي.

الخلاصة: مذكرات توقيف جديدة على الأبواب
أصبح إصدار مذكرة توقيف جديدة بحق بشار الأسد أمرًا مرجحًا في المدى القريب، بل وأساسًا قد يؤدي إلى تحرك قضائي أوسع داخل أوروبا وربما إلى ملاحقة دولية أمام المحكمة الجنائية الدولية.

المرحلة القادمة قد تشهد توسيع نطاق المذكرات لتشمل مسؤولين آخرين في النظام، الأمر الذي قد يُشكّل سابقة في مجال ملاحقة مرتكبي الجرائم الكيميائية والجرائم ضد الإنسانية، دون الحاجة إلى غطاء سياسي من مجلس الأمن، وبدفع مباشر من أجهزة القضاء الوطني والدولي المعنيّة بحماية القانون وحقوق الضحايا.

عمر اليوسف - زمان الوصل
(7)    هل أعجبتك المقالة (10)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي