محمد ثابت ديب، المولود في تل أبيض – الرقة عام 1968، والمسجل مدنيًا في القرداحة (بسـين خ/73)، كان ضابطًا عاملًا برتبة مقدّم في الحرس الجمهوري، خدم لأكثر من عشرين عامًا في المؤسسة العسكرية، وكان معروفًا بنزاهته والتزامه ورفضه للفساد والمحاباة.
أسباب الاعتقال
ساهمت عدة عوامل في ملاحقته أمنيًا. من هذه العوامل زواجه من إمرأة من مدينة دوما – ريف دمشق، الأمر الذي زاد من حساسية الأجهزة الأمنية تجاهه، وكرّس صورة غير مريحة له داخل النظام البائد، خاصة في ظل الانقسام الطائفي والسياسي المتصاعد آنذاك.
بدأت قصة اعتقاله من موقف سياسي واضح، اعتُبر حينها "تفصيلًا صغيرًا"، لكنه فتح أبواب الملاحقات والتقارير الأمنية بحقه. فقد عبّر عن رأيه الرافض لتوريث الحكم لبشار الأسد، وانتقد أسلوب الإدارة العسكرية وسوء تدبير البلاد. كما كان رافضًا لتنفيذ بعض الأوامر العسكرية التي رأى فيها خرقًا لأخلاقيات المهنة.
قصة الاعتقال
في الأسبوع الأول من تموز/يوليو 2007، استُدعي محمد ثابت ديب من قبل قائد الحرس الجمهوري آنذاك، اللواء علي عبد الله أيوب، إلى مكتبه، وهناك جرى اعتقاله مباشرة. في اليوم ذاته، أُرسلت دورية أمنية بقيادة اللواء رفيق شحادة إلى منزل العائلة في مساكن الحرس – قدسيا (محضر 64)، حيث جرى تفتيشه، كما اعتُقلت زوجته (من مواليد دوما – دمشق)، التي أُخضعت لتحقيق استمر عشرة أيام في فرع فلسطين والمجمّع الحكومي في كفرسوسة، قبل أن يُطلق سراحها.
نُقل محمد ثابت ديب بين عدة فروع أمنية:
* شعبة المخابرات – فرع 248
* شعبة المخابرات – فرع 235
* شعبة المخابرات – فرع 293 (فرع الضباط)، وكان يشرف على قضيته مباشرة اللواء آصف شوكت.
بتاريخ 30/11/2008، أصدرت محكمة الميدان العسكرية حكمًا عليه بالسجن المؤبد، تضمن عدة تهم منها:
* التجسس لصالح دولة أجنبية (التهمة الرئيسية)
* الرشوة
* التزوير
* استعمال وثائق مزورة
كما شملت العقوبات:
* تجريده من الحقوق المدنية.
* الحجر المدني الكامل.
* مصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة.
وقع الحكم القاضي العسكري محمد كنجو حسن، وصدّق عليه اللواء محمد نبيل السكوتي بتاريخ 2 كانون الأول 2008.
من صيدنايا إلى حلب المركزي
بعد الحكم، نُقل إلى سجن صيدنايا – الجناح السياسي الأحمر، حيث بقي هناك حتى عام 2012، ثم نُقل إلى سجن حلب المركزي. في إحدى زيارات عائلته النادرة، تمكنوا من رؤيته للمرة الأولى وجهًا لوجه، وكانت أيضًا الأخيرة.
في سجن حلب، عانى من ظروف قاسية، وكان في جناح سياسي مغلق رفض فيه المعتقلون الخروج أو التعاون مع قوات النظام. نتيجة لهذا العصيان، بدأت الشرطة باستخدام القنابل داخل المهاجع، في محاولة لتصفية المساجين، خاصة في المهجع الذي كان فيه.
انخفض وزنه إلى 50 كيلوغرامًا، على الرغم من كونه رياضيًا ولاعب كمال أجسام سابقًا. ورغم الجوع وسوء التغذية، بقي حيًّا بفضل قوته البدنية. استطاع تهريب هاتف نقال، كما فعل بعض المعتقلين، وكان آخر اتصال منه في حزيران/يونيو 2014، قال فيه:
"تحرر السجن من الحصار، ورح ياخدونا بالتياب الداخلية، ما منعرف لوين. أجى سهيل الحسن وطلبني بالاسم... ادعولي."
وبعد قرابة شهر، تواصل مجددًا من سجن عدرا، وطلب زيارة وأدوات شخصية. وعند ذهاب العائلة، قيل لهم إنه غير مسجَّل في السجن. لاحقًا، وبعد دفع رشاوى لبعض الحراس، تبيّن أنه أعيد إلى صيدنايا في تموز/يوليو 2014، ومنذ ذلك التاريخ انقطعت أخباره.
وصية عبر الماسنجر
في عام 2013، وقبل اختفائه النهائي، أرسل محمد ديب رسالة عبر تطبيق "ماسنجر" إلى شقيقه، عبّر فيها عن موقفه الأخلاقي والوطني، وقال:
"لا أريد أن أخرج من هذا الجناح، وسأموت مع هؤلاء الذين عشت معهم سنين طويلة... أريدك أن تخبر أهلي أني لست خائنًا، وأني أفضل أن أموت مظلومًا على أن أخون."
ثم أضاف:
"ليس كل علوي خائن. هناك أحرار من الطائفة مثال يُحتذى به."
مناشدة
في ظل مرور أكثر من 17 عامًا على اعتقاله، وأكثر من 10 أعوام على انقطاع أخباره بشكل كامل، يناشد ابنه يوشع وعائلته جميع الجهات الإنسانية والحقوقية، ولا سيما:
* المعتقلين والمعتقلات السابقين الذين قد يكونوا التقوا به في أي من الفروع الأمنية أو السجون.
* الهيئة الوطنية السورية لشؤون المفقودين والمغيبين قسرًا، للنظر فيما إذا كانت قد وصلت إليها ملفات أو إشارات يمكن أن تساعد في تحديد مصيره.
تأمل العائلة بالحصول على أي معلومة، حتى لو كانت صغيرة، قد تضيء جانبًا من مصير والدهم المختفي قسرًا.
نطالب، باسم القانون والعدالة، بالكشف الفوري عن مصير محمد ثابت ديب، وإدراج اسمه ضمن قوائم المختفين قسرًا، وفتح تحقيق في قضيته، وضمان محاسبة كل من تورّط في اعتقاله، ومحاكمته غير العادلة، وإخفائه القسري.
كلمة أخيرة
محمد ثابت ديب لم يكن سوى ضابط مهني ملتزم، اعترض على الفساد، وانتقد توريث الحكم، وتمسك بمبادئه. فكان مصيره التغييب، والتشويه، والاختفاء في دهاليز النظام.
المحامي عروة السوسي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية