أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

العدالة قبل كل شيء.. سوريا لا تُقسّم على جثث أبنائها

ما يجري اليوم في سوريا يتخطى الأشخاص ومناصبهم، ولا يمكن اختزاله في صراع نفوذ أو تنافس على تمثيل طائفة أو منطقة. إنه صراع على هوية وطن ممزّق، يحاول البعض اقتسامه تحت عناوين "التحرر" و"الهوية الطائفية"، بينما تغيب الحقيقة الأهم: أن هذا الوطن ما زال غارقاً في دماء أبنائه، وأن القاتل الأكبر وأعوانه ما زال خارج قفص العدالة. 

يحاول البعض في "سوريا الجديدة" تقديم مشروع سياسي قائم على مظلومية مزعومة، متناسين أن المظلومية الحقيقية بدأت يوم اختطف حافظ الأسد الدولة، وجعلها مزرعة، وورّثها لابنه فصارت مقبرة. أكثر من مليون سوري قُتلوا تحت التعذيب أو القصف أو الإعدام الميداني. نُفي ملايين، ودُفن عشرات الآلاف في مقابر جماعية، لا تحمل شواهد، ولا أسماء، ولا حتى صمتاً يليق بهم.

هذه المأساة لا تُحلّ بتأسيس كيانات انفصالية على أنقاض المدن، ولا بتوزيع الحق والباطل حسب الهوية. إنها تحتاج إلى لجان تحقيق مستقلة، وعدالة انتقالية لا تستثني أحداً، تُعيد الحق لأصحابه، وتضع القتلة أمام مرآة التاريخ.

ما شهدته محافظة السويداء في الأسابيع الماضية يُظهر خطورة الانزلاق نحو "عدالة الثأر" بدل "عدالة القانون". تعرّض المدنيون لانتهاكات خطيرة ارتكبتها مجموعات مسلحة محسوبة على الدولة، هؤلاء يجب محاسبتهم أمام قضاء نزيه، لا أن يتحولوا إلى حجة لخلق دولة داخل الدولة.

لكن في المقابل، ما ارتكبته ميليشيات الهجري من انتهاكات ممنهجة بحق بدو السويداء، وعناصر الأمن الداخلي، لا يقلّ فظاعة. عشرات القتلى جُرّدوا من إنسانيتهم، وسُحلوا في الشوارع، ودُفنوا في مقابر جماعية، رافقتها عبارات طائفية وتحريضية تفضح العقلية التي تُدار بها بعض هذه المليشيا.

من يقتل باسم "الكرامة" لا يختلف عمّن قتل باسم "السيادة".

ومن يريد حلاً عادلاً عليه أن يبدأ بالاعتراف بكل الجراح، لا أن ينتقي ما يناسب مصالحه، أو يبرّر ما يخدم خطابه.

سوريا اليوم ليست بحاجة إلى مزيد من الأعلام والانقسامات، بل إلى مشروع وطني جامع يضع الضحايا في مركز المعادلة، ويعيد بناء الثقة على أسس العدالة، لا الغلبة.

نرفض تقسيم البلاد على أنقاض الضحايا، ونرفض تبرير الجرائم أياً كان مرتكبها، ونذكّر الجميع أن سوريا لا تُحرّر إلا حين تُعاد لكل أمّ جثة ابنها، ولكل مقبرة اسم، ولكل جريمة محاكمة.

رئيس التحرير _ زمان الوصل
(6)    هل أعجبتك المقالة (6)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي