أصدرت محكمة النقض الفرنسية، وهي أعلى هيئة قضائية في البلاد، اليوم قراراً بإلغاء مذكرة التوقيف الدولية الصادرة في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 بحق بشار الأسد، على خلفية الهجمات الكيميائية التي استهدفت المدنيين السوريين في الغوطة وخان العسل خلال آب/أغسطس 2013.
أولاً: الطابع القانوني للقرار
محكمة النقض ليست جهة تُعيد النظر في الوقائع، بل تقتصر صلاحياتها على التحقق مما إذا كانت الإجراءات القضائية قد تمت وفق الأصول القانونية الفرنسية. بمعنى أوضح، المحكمة لم تنفِ مسؤولية بشار الأسد عن الهجمات الكيميائية، وإنما اعتبرت أن مذكرة التوقيف الصادرة بحقه تخالف مبدأ الحصانة الشخصية لرئيس دولة أثناء توليه المنصب، حسب التفسير الفرنسي للقانون الدولي.
النقاش هنا دار حول نقطة إجرائية:
هل كان يحق للسلطات القضائية الفرنسية إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس دولة يتمتع بحصانة؟
محكمة النقض أجابت: لا، ما دام بشار الأسد كان لا يزال رئيساً وقت صدور المذكرة عام 2023.
وهذا يعني أن المحكمة تعاملت مع الواقع القضائي كما كان في لحظة صدور المذكرة، دون أن تأخذ بعين الاعتبار التغيرات السياسية أو سقوط النظام السوري لاحقاً. هذا التقييد الزمني هو ما أدى إلى إبطال المذكرة لأسباب شكلية بحتة.
ثانياً: سقوط الحصانة وفتح الباب من جديد
ورغم إبطال مذكرة التوقيف السابقة، فإن رئيس محكمة النقض الفرنسية، كريستوف سولار، أشار بوضوح إلى أن بشار الأسد لم يعد يتمتع بالحصانة، بعد زوال صفته الرسمية كرئيس في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024.
وهذا يعني أن الباب بات مفتوحاً الآن أمام القضاء الفرنسي والدولي لإصدار مذكرات توقيف جديدة ضد بشار الأسد، باعتباره مسؤولاً مباشراً عن جرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك استخدام السلاح الكيميائي ضد المدنيين.
ثالثاً: مسؤولية أديب ميالة
في المقابل، أيدت محكمة النقض مذكرة التوقيف الفرنسية الصادرة بحق أديب ميالة، حاكم البنك المركزي السابق ووزير الاقتصاد في حكومة النظام البائد، بسبب تورطه المباشر في تمويل البرنامج الكيميائي، ما يشكل دعماً لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
خلاصة
بحسب قرار محكمة النقض الفرنسية:
- بشار الأسد مسؤول عن الهجمات الكيميائية، وفق نتائج التحقيقات القضائية.
- إبطال مذكرة التوقيف يعود فقط لخطأ إجرائي مرتبط بالحصانة الشخصية التي كان يتمتع بها حينها.
- لا يوجد أي مانع قانوني يمنع إصدار مذكرات توقيف جديدة الآن، بعد زوال تلك الحصانة.
- أديب ميالة لا يتمتع بأي نوع من الحصانة، وستتم ملاحقته قضائياً.
- هذا القرار لا يبرّئ الأسد، بل يفتح المجال لمحاسبته في توقيت لم يعد يتمتع فيه بأي غطاء قانوني أو دبلوماسي.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية