يمثل هجوم صحيفة الأهرام المصرية على مواقف سورية مرحلة جديدا من انحدار الإعلام المصري الرسمي نحو هاوية الإسفاف والهذيان والكلام المضحك حتى الغثيان حين يقول رئيس تحرير صحيفة الأهرام " إن مصر تريد الكثير من سورية الأرض والشعب والتاريخ...سوريا التي كانت دوما سندا لمصر في صد العدوان عن المنطقة عبر التاريخ". هذا كلام يمكن أن يقال عنه إنه" حق أريد به باطل". وهو لا يقول هذا الكلام خدمة للحق ولا للمنطقة. وسوريا كانت دائما سندا لمصر وغيرها من العرب مثلما كانت مصر سندا لسوريا وغيرها من العرب. ولكن سرايا وأمثاله يعرفون أن مصر الآن، والمقصود هنا مصر الرسمية تحديدا، ومنذ اختطفها السادات وأخرجها من محيطها العربي ليضعها في صف أعداء الأمة، لم تعد هي مصر الحاضنة لقضايا الأمة.
منذ غنى الراحل شيخ إمام " جبنا سينا وراحت مصر" بعد اتفاقية كامب ديفد السيئة الذكر، لم تعد مصرالرسمية، ومصرأسامة سرايا وأمثاله هي مصر التي يجب أن يقف العرب إلى جانبها لأنها تحولت إلى ذراع إسرائيلية أمريكية وأداة لنشر المشروع الصهيوـ أمريكي في المنطقة. وهذه مهمة لم تعد خافية على أحد، كما أن النظام المصري وإعلامه الرسمي لم يعد يشعر بالخجل من إعلانها.
وإذا كان سرايا يتهم سورية بأنها لا تدعم المقاومة، فليس مطلوبا منها إقناعه بذلك لأنه لا يريد أن يقتنع. لكن من السهل تذكيره وغيره بأن سوريا على الأقل تستضيف قيادة المقاومة الفلسطينية منذ رفضت كل الدول العربية استضافة إي من هؤلاء القادة، بل وأخذت هذه الدول تتقرب من العم سام بالتبرؤ منهم ومن أفعالهم. وهنا لا حاجة إلى التذكير بما تتعرض له سوريا من ضغوط بسبب دعم المقاومة في كل من لبنان وفلسطين والعراق. لكننا لن نلوم النظام المصري والمدافعين عنه لأن مفاهيمه وتعريفه للمقاومة صارت تأتيه معلبة من تل أبيب وواشنطن. وهو لا يطلع عليها إلا قبل ابتلاعها بقليل. ولذلك صارت المقاومة إرهابا وصارت جهود المقاومة اللبنانية لصد عدوان تموز العام 2006 " مغامرة" وصار مجرد التفكير بالحفاظ على شرف الأمة وأرضها ومصالحها في وجه الوحش الأمريكي الإسرائيلي مقامرة بالتأكيد في نظر النظام المصري والمدافعين عنه.
لكن الأغرب أن يقوم السيد سرايا بمطالبة سوريا بدعم المقاومة في الجولان وغيره. فليس مطلوبا منه أن يرى ما تقدمه سوريا لأنه لا يريد رؤيته. ولكن لا عذر له في أن لا يرى جهود النظام المصري المستميتة لقتل المقاومة في غزة ووضعها تحت تصرف محمود عباس الذي نجح حتى الآن في التغطية على استيلاء الكيان الصهيوني على معظم الآمال الفلسطينية بعدما تمت عملية ابتلاع الأرض والحقوق بغطاء شرعية السلطة الفلسطينية التي قدمت كل ما تريده إسرائيل حتى الآن من دون أن تحقق شيئا أوحتى من دون أن يبدو أنها تريد شيئا.
ولا عذر له في أن لا يرى الجدار الفولاذي الذي يبنيه النظام المصري لتحويل غزة إلى قبر محروم حتى من مسام التهوية التي يمكن أن توفره التربة في الأحوال العادية. وهو أيضا غير معذور في أن لا يرى عمليات التجويع عبر الحصار على غزة حتى خلال حرب ال 22 يوما. فهل سمع سرايا أن سوريا فتحت حدودها أمام العراقيين بلا استثناء خلال العدوان الأمريكي على بلدهم وبعده، وأن مئات الآلاف من اللبنانيين لم يجدوا غير سوريا والشعب السوري يحتضنهم ويقول لهم هذا وطنكم، سواء خلال الحرب الأهلية في لبنان أو أثناء العداوان الإسرائيلي في 2006؟ وهل يعلم سرايا أن الحكومة المصرية لا تكتفي بمعاقبة الفلسطينيين وإنما تعاقب حتى الذين يتعاطفون مع الحق والمظلومين؟ وإلا ما الذي يجعلها تحقد على جورج غالاوي وتمنعه من دخول الأراضي المصرية؟
والشيء الآخر الذي يبدو أنه محزن للسيد سرايا هو التحالف السوري الإيراني. وهو يرى في ذلك ضربا لمصالح الأمة العربية. ونحن نعتقد أن أي إنسان مهما كان بدائيا لا يساوي بين سيف يريد قتله وسيف يريد الوقوف معه. ولو أن مصر الرسمية لم تخذل الأمة وتقف في صف أعدائها لما كان هذا الفراغ الذي يجعل من التحالف الإيراني السوري، أو أي تحالف يقف في وجه المشروع الأمريكي الصهيوني ضرورة. فحين كان الشاه الإيراني يمثل امتدادا للمشروع الأمريكي الإسرائيلي وشرطيا لحراسة مصالحه وضرب كل مخالف له، كانت إيران دولة صديقة وشقيقة، ولم يكن هناك ضير من التحالف معها. أما الآن وقد استبدلت السفارة الإسرائيلية بسفارة فلسطينية ووقفت مع الحق العربي في وجه الاحتلال والعدوان، صارت عدوا يجب الوقوف ضده.
ولكن كان يجب على سرايا أن يحدد هي عدوة مَن في المنطقة. ويبدو أنها فعلا عدوة له ولنظامه لأنها تقف في صف شعوب المنطقة ومقاومتها ضد العدوان والاحتلال. ومن هنا يحق له أن يقف ضدها ويطالب الآخرين بمعاداتها فهذا ما تريده إسرائيل والولايات المتحدة.
ويبدو أن سرايا ومن معه لم يعلموا بعد أن مشروع "الاعتدال" العربي أوشك على إعلان استقالته وأن أمريكا لم تعد تريد أكثر من السلامة في المنطقة، مؤقتا، على الأقل.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية