أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ست قصص قصيرة ... محمد عبده العباسى

1** نسيان :
بدورها اكتشفت أنانيته المقيتة ، حبه لذاته ، نسيت تماماً أنها كانت مرآته الأولى ..
2** حلم العودة :
تُقرن الليل بشعرها الأسود وتستعرض ضفافه ، هالة من نور أضاءت وجهها ، ومن كل اتجاه يبزغ ضوء من عينيها ..
فجأة ، تذكرته ..
ورأته قادماً يتبختر مزهواً بنفسه ، أشار على جزيرة نائية فى البحر الكاريبى :
ـ هنا سنمضى شهر العسل ..
وجهها على المرآة نضا عنه صوراً لرجال كُثر مروا بحياتها ، رف جفنها الأيسر ، تنهدت :
ـ كلهم لا شئ ، إلا هو ..
وجنتان بلون الخوخ ، شفتان بطعم الكرز ، أنف بحجم النبق :
ـ كم مرة قال هذا وراح يهدهد القلب بجمال ألفاظه ، ويلعق الرضاب بشهية ، ويُكثر من انفاق الكلمات المذهلة ..
استغرقها سؤال أشد حرجاً :
ـ وكم داعب الطائران السجينان فى الصدر ؟
زاد نبض القلبها ، خشيت الجنون ، شعرت بخوف من الوحدة ، وألح سؤال أخير :
ـ لماذا غاب ؟ هل عشقته أخرى ؟
تناومت واستفاقت ، تثنت وتلوت ، ارتسمت على شفتيها علامات حنق ، اشتعلت فى صدرها اللهب فأطعمته القصائد المكتوبة فى الليالى الناعمة ، لم تهدأ , بسكين غليلها راحت تبج بطون الكتب فتقيأت الكلمات من جوفها ، تساقطت الحروف صرعى ونزفت دماً ، انتابها احساس غريب بأنه لن يعود ..
عوت مثل ذئبة جريحة فى فلاة ، لا أحد يرد ، من جديد لملمت الحروف وضمدت جرحها ، ونظرت فى عتمة الليل البهيم ،قالت :
ـ عساه يرجع ..
3** مبادلة :
قالت البنت لأمها :
ـ متى يعود أبى من سفره الطويل ؟
ـ هو فى رحلة عمل يا حبيبتى ؟
ـ زاد شوقى إليه فأنا أحبه أكثر من الرجل الذى يأتى فى غيابه ، يقبل وجنتى ويضمك إلى صدره ..
ـ بنت .. قالت فزغة ..
ـ ورأيته ليلة أمس يدخل غرفة أبى ..
صرخت فيها :
ـ هذا عيب ..
ـ لكن الضوء انسحب تماماً ..
توترت الأم ورأت الضوء الساقط من نجفة البهو الضخمة تسقط حمماً من جمر ملتهب فوق رأسها ، نبهتها :
ـ إياك ..
بهدوء قالت البنت :
ـ لن أقول لأحد ..
عادت الأم بعصبية :
ـ ماذا ؟
ـ صديقى حسام يضمنى إلى صدره كل صباح ويقول بأن أبيه يفعل ذلك أيضاً مع المرأة التى تأتى إلى البيت بعد أن تذهب أمه ..
ـ بنت ...
رفعت البنت عينيها لأمها :
ـ اسمى ..
جاء حسام فى الصباح وضم البنت إلى صدره وسط دهشة السيدة المطلة من الشرفة تراقبهما :
ـ كيف كانت ليلتك ..
ـ ظللت طوال الليل ساهدة ..
ـ لهذا الحد تفكرين فى مصيرنا ؟
ـ لا ، لا ..
ـ أبى أخبرنى بأنه لن يتزوج المرأة التى تزره ، هكذا اعترف لأمى ..
ـ وأمى أخبرتنى ..
4 ** فى المطعم السرى
المطعم السرى ، ملجأ العشاق فى المدينة ، أدركت بصدق حدسها بأن الرجل الذى اصطحبته للعشاء ذات ليلة قد أفاق من خدرها ، ولم تعد تسكره كما كانت فى السابق بطلاوة الحديث ، وطلاء الشفاه الغليظة الذى كان يصفها بطعم الجمر :
ـ هل تذوقت طعم الجمر ؟.
ـ الآن فقط .. ووضع سبابته برفق على الشفة السفلى..
ترنحت بين يديه ، وأسبغت عليه نظرات مثيرة ، ورأته ينهض عائداً لبيته ..
فى اللقاء التالى ، لم يكن العشاء جاهزاً فى المطعم السرى ، كان يشعر بالجوع ، تحسس ردفها الممتلئ ، وسأل عن الخبيئة فى ص
صدرها ، أخفضت الطرف ، وقالت بأن حقيبتها ملأى بالنقود :
ـ أريد ...
وأسهب فى الكلام ، ثم حاور وناور ، تكلم فى أمور شتى ، رأت فى النهاية أن لا مناص لإستدراجه ، فعانقها مودعاً ..
فى اللقاء الأخير استدارت كأفعى بكامل جسدها حوله ، أغدقت عليه من حنانها ، ثم ألجمتها المفاجأة حين انحنى ليربط الحذاء ، وظلت تنتظر ..
أمسكت يده ، أدركت أن لا فكاك سوى الإنقضاض عليه ولدغه ، اقتربت منه ، تملص منها ، تقلص وجهها وأربدت ، ازداد رعباً وارتد إلى الخلف :
ـ ماذا تريدين ؟
ـ زاد وعيده :
ـ دفع فاتورة الحساب ..
واستمرأت اللعبة ، تبحث كل يوم عن صيد جيد ينهل من معين شبابها الفاتن ونهر عطائها الدافق وجنونها اللامعقول ، تغدق على الصيد وتُرغبه ، وتمنحه من كنز ثرائها اللامحدود ..
أشيع فى المدينة أن المرأة مالكة المطعم السرى تقدم الرجال على مائدتها لمن يدفع أكثر ، وتبحث من جديد عمن يقوم بدور العشيق ولو بأجر..
5 ** الجراح :
اندملت جراحها ، لكن آثار الهزيمة تركت سنابك خيولها على وجهها الصبوح ، تحسسته برفق فى مرآة بجوارها ، هالتها التجاعيد التى أنبأتها بالزمن ، ورغم المساحيق والأنامل المدربة للفتاة ذات العشرين ربيعاً والتى لا تكف عن معالجة البثور وعمل التدليك اليومى وغير ذلك ..
أومأت للمرآة أن لا مناص سوى الرضوخ لطلباته :
ـ سوف أمنحك قرضاً كبيراً ..
أومأ بالموافقة ، أردفت :
ـ ماذا ستفعل به ؟
ـ سأشترى شقة ..
بعد قليل قالت :
ـ لتتزوج ..
لم يرد ..
ـ وماذا عنى ؟
لم يرد واكتفى بالإنسحاب من ساحة المعركة ، حين رأى شرخاً من الشعر الأبيض رفض الإنصياع للأصباغ التى انتهى مفعولها ، على الفور علا بوق صوتها فأشاع الفوضى فى المكان ..
6** جيران :
تظاهرت بالموافقة ساعة أن فأجاها بطلب يدها ، قالت لأمها فإبتسمت وضمتها لصدرها الجبلى :
ـ البنت كبرت يا حمدى..
وحمدى لا يكف عن صممه المعتاد ويقرأ فى جريدته ، هزته بالخبر ، وافق دون أى مراجعة :
ـ انتصرت ..
وصفقت بيديها ، ونشرت الخبر عبر الهواتف لكل معارفها وأهلها ، وهى تكيد لجارتها أم حنان ..
جاء صوت فيروز عبر رنين الهاتف المحمول بجوار الأب :
ـ سأحضر فى التاسعة ياعماه ..
ازدان البيت بالأنوار ، وتلألأت السماء بطلقات ، تهيأت العروس وتجملت ، وظل الجميع فى الإنتظار ..
مرت التاسعة ، العاشرة ،........ حتى انشطر الليل ، ولم يأت العريس ، رجف قلب الأم وتلاعبت الظنون بصدرها ، وارتعدت العروس وسرت فى شرايينها المخاوف ، تفصد العرق على جبين حمدى ، انسحب المدعوون ، ركضت البنت الصغرى نحو الشرفة لتستطلع الضوضاء ، قالت :
ـ هاهو العريس يصطحب بنت الجيران فى ذراعه ..
ــــــــــــــــــ

بورسعيد
مصر

(98)    هل أعجبتك المقالة (100)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي