1** نسيان : 
بدورها اكتشفت أنانيته المقيتة ، حبه لذاته ، نسيت تماماً أنها كانت مرآته الأولى .. 
2** حلم العودة : 
تُقرن الليل بشعرها الأسود وتستعرض ضفافه ، هالة من نور أضاءت وجهها ، ومن كل اتجاه يبزغ ضوء من عينيها .. 
فجأة ، تذكرته .. 
ورأته قادماً يتبختر مزهواً بنفسه ، أشار على جزيرة نائية فى البحر الكاريبى : 
ـ هنا سنمضى شهر العسل .. 
وجهها على المرآة نضا عنه صوراً لرجال كُثر مروا بحياتها ، رف جفنها الأيسر ، تنهدت : 
ـ كلهم لا شئ ، إلا هو .. 
وجنتان بلون الخوخ ، شفتان بطعم الكرز ، أنف بحجم النبق : 
ـ كم مرة قال هذا وراح يهدهد القلب بجمال ألفاظه ، ويلعق الرضاب بشهية ، ويُكثر من انفاق الكلمات المذهلة .. 
استغرقها سؤال أشد حرجاً : 
ـ وكم داعب الطائران السجينان فى الصدر ؟ 
زاد نبض القلبها ، خشيت الجنون ، شعرت بخوف من الوحدة ، وألح سؤال أخير : 
ـ لماذا غاب ؟ هل عشقته أخرى ؟ 
تناومت واستفاقت ، تثنت وتلوت ، ارتسمت على شفتيها علامات حنق ، اشتعلت فى صدرها اللهب فأطعمته القصائد المكتوبة فى الليالى الناعمة ، لم تهدأ , بسكين غليلها راحت تبج بطون الكتب فتقيأت الكلمات من جوفها ، تساقطت الحروف صرعى ونزفت دماً ، انتابها احساس غريب بأنه لن يعود .. 
عوت مثل ذئبة جريحة فى فلاة ، لا أحد يرد ، من جديد لملمت الحروف وضمدت جرحها ، ونظرت فى عتمة الليل البهيم ،قالت : 
ـ عساه يرجع .. 
3** مبادلة : 
قالت البنت لأمها : 
ـ متى يعود أبى من سفره الطويل ؟ 
ـ هو فى رحلة عمل يا حبيبتى ؟ 
ـ زاد شوقى إليه فأنا أحبه أكثر من الرجل الذى يأتى فى غيابه ، يقبل وجنتى ويضمك إلى صدره .. 
ـ بنت .. قالت فزغة .. 
ـ ورأيته ليلة أمس يدخل غرفة أبى .. 
صرخت فيها : 
ـ هذا عيب .. 
ـ لكن الضوء انسحب تماماً .. 
توترت الأم ورأت الضوء الساقط من نجفة البهو الضخمة تسقط حمماً من جمر ملتهب فوق رأسها ، نبهتها : 
ـ إياك .. 
بهدوء قالت البنت : 
ـ لن أقول لأحد .. 
عادت الأم بعصبية : 
ـ ماذا ؟ 
ـ صديقى حسام يضمنى إلى صدره كل صباح ويقول بأن أبيه يفعل ذلك أيضاً مع المرأة التى تأتى إلى البيت بعد أن تذهب أمه .. 
ـ بنت ... 
رفعت البنت عينيها لأمها : 
ـ اسمى .. 
جاء حسام فى الصباح وضم البنت إلى صدره وسط دهشة السيدة المطلة من الشرفة تراقبهما : 
ـ كيف كانت ليلتك .. 
ـ ظللت طوال الليل ساهدة .. 
ـ لهذا الحد تفكرين فى مصيرنا ؟ 
ـ لا ، لا .. 
ـ أبى أخبرنى بأنه لن يتزوج المرأة التى تزره ، هكذا اعترف لأمى .. 
ـ وأمى أخبرتنى .. 
4 ** فى المطعم السرى 
المطعم السرى ، ملجأ العشاق فى المدينة ، أدركت بصدق حدسها بأن الرجل الذى اصطحبته للعشاء ذات ليلة قد أفاق من خدرها ، ولم تعد تسكره كما كانت فى السابق بطلاوة الحديث ، وطلاء الشفاه الغليظة الذى كان يصفها بطعم الجمر : 
ـ هل تذوقت طعم الجمر ؟. 
ـ الآن فقط .. ووضع سبابته برفق على الشفة السفلى.. 
ترنحت بين يديه ، وأسبغت عليه نظرات مثيرة ، ورأته ينهض عائداً لبيته .. 
فى اللقاء التالى ، لم يكن العشاء جاهزاً فى المطعم السرى ، كان يشعر بالجوع ، تحسس ردفها الممتلئ ، وسأل عن الخبيئة فى ص 
صدرها ، أخفضت الطرف ، وقالت بأن حقيبتها ملأى بالنقود : 
ـ أريد ... 
وأسهب فى الكلام ، ثم حاور وناور ، تكلم فى أمور شتى ، رأت فى النهاية أن لا مناص لإستدراجه ، فعانقها مودعاً .. 
فى اللقاء الأخير استدارت كأفعى بكامل جسدها حوله ، أغدقت عليه من حنانها ، ثم ألجمتها المفاجأة حين انحنى ليربط الحذاء ، وظلت تنتظر .. 
أمسكت يده ، أدركت أن لا فكاك سوى الإنقضاض عليه ولدغه ، اقتربت منه ، تملص منها ، تقلص وجهها وأربدت ، ازداد رعباً وارتد إلى الخلف : 
ـ ماذا تريدين ؟ 
ـ زاد وعيده : 
ـ دفع فاتورة الحساب .. 
واستمرأت اللعبة ، تبحث كل يوم عن صيد جيد ينهل من معين شبابها الفاتن ونهر عطائها الدافق وجنونها اللامعقول ، تغدق على الصيد وتُرغبه ، وتمنحه من كنز ثرائها اللامحدود .. 
أشيع فى المدينة أن المرأة مالكة المطعم السرى تقدم الرجال على مائدتها لمن يدفع أكثر ، وتبحث من جديد عمن يقوم بدور العشيق ولو بأجر.. 
5 ** الجراح : 
اندملت جراحها ، لكن آثار الهزيمة تركت سنابك خيولها على وجهها الصبوح ، تحسسته برفق فى مرآة بجوارها ، هالتها التجاعيد التى أنبأتها بالزمن ، ورغم المساحيق والأنامل المدربة للفتاة ذات العشرين ربيعاً والتى لا تكف عن معالجة البثور وعمل التدليك اليومى وغير ذلك .. 
أومأت للمرآة أن لا مناص سوى الرضوخ لطلباته : 
ـ سوف أمنحك قرضاً كبيراً .. 
أومأ بالموافقة ، أردفت : 
ـ ماذا ستفعل به ؟ 
ـ سأشترى شقة .. 
بعد قليل قالت : 
ـ لتتزوج .. 
لم يرد .. 
ـ وماذا عنى ؟ 
لم يرد واكتفى بالإنسحاب من ساحة المعركة ، حين رأى شرخاً من الشعر الأبيض رفض الإنصياع للأصباغ التى انتهى مفعولها ، على الفور علا بوق صوتها فأشاع الفوضى فى المكان .. 
6** جيران : 
تظاهرت بالموافقة ساعة أن فأجاها بطلب يدها ، قالت لأمها فإبتسمت وضمتها لصدرها الجبلى : 
ـ البنت كبرت يا حمدى.. 
وحمدى لا يكف عن صممه المعتاد ويقرأ فى جريدته ، هزته بالخبر ، وافق دون أى مراجعة : 
ـ انتصرت .. 
وصفقت بيديها ، ونشرت الخبر عبر الهواتف لكل معارفها وأهلها ، وهى تكيد لجارتها أم حنان .. 
جاء صوت فيروز عبر رنين الهاتف المحمول بجوار الأب : 
ـ سأحضر فى التاسعة ياعماه .. 
ازدان البيت بالأنوار ، وتلألأت السماء بطلقات ، تهيأت العروس وتجملت ، وظل الجميع فى الإنتظار .. 
مرت التاسعة ، العاشرة ،........ حتى انشطر الليل ، ولم يأت العريس ، رجف قلب الأم وتلاعبت الظنون بصدرها ، وارتعدت العروس وسرت فى شرايينها المخاوف ، تفصد العرق على جبين حمدى ، انسحب المدعوون ، ركضت البنت الصغرى نحو الشرفة لتستطلع الضوضاء ، قالت : 
ـ هاهو العريس يصطحب بنت الجيران فى ذراعه .. 
ــــــــــــــــــ 
بورسعيد 
مصر 
					
				
						
								
								
								
								
								
								
								
								
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية