أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

شهادة أول صحفي يدخل السويداء..

علي الجابر

أنا علي الجابر، مراسل "زمان الوصل"، من الشمال السوري. دخلت مدينة السويداء الجمعة الماضية، لأكون أول صحافي يصل إلى هناك منذ اندلاع المواجهات. لم أكن أحمل سوى الكاميرا، ودرعي الصحفي، وحقيبة صغيرة فيها بعض الماء والطعام. 

وصلت مع مقاتلي العشائر، الذين سمحوا لي بمرافقتهم إلى الداخل. كنت أريد أن أرى الحقيقة بعينيّ، وأرويها كما هي. في الساعات الأولى، لم أسمع سوى صوت الرصاص، ولم أرَ سوى الدخان يتصاعد من البيوت المحروقة. كان كل شيء يصرخ: الموت مرّ من هنا. 

مشيت وسط الحطام، وخطاي ترتجف. رائحة الجثث سبقتني إلى الأزقة. رأيت أجسادًا بلا رؤوس، وأشلاء مبعثرة. لم أعد أفكر إن كنت في خطر... كنت فقط أحاول ألا أدوس على جسد، أو جزء منه. 

في أحد الأحياء، وجدنا أنفسنا محاصرين داخل منزل نصف محترق. الرصاص يخترق الجدران، وأنا ألتصق بالأرض. كل ما خطر ببالي وقتها: "إذا متّ هنا، هل سيعرف أحد؟ هل ستصل الصورة؟" .

في مكان آخر، بينما ألتقط أنفاسي، سمعت مواء خافتًا. تتبعت الصوت، فوجدت مجموعة من القطط الصغيرة، أجسادها محروقة ومشوهة. كانت ترتجف من الجوع والخوف. جلست بجانبها، سقيتها من عبوتي، وفتت لها ما بقي من قطعة خبز. مددت يدي إليها، فارتجفت، ثم استسلمت للمسح على رأسها. شعرت حينها بشيء يشبه الحياة... شيء صغير جدًا، لكنه كان كافيًا لأبكي. 

أنا، علي الجابر، صحافي سوري. لم آتِ إلى السويداء لأكون بطلاً، بل لأكون شاهدًا. هذه الأرض تنزف، وسكانها بين فكي نارين. ما رأيته ليس معركة بين طرفين... بل كارثة إنسانية، تنوء بها اللغة. 

أنقل إليكم هذه الشهادة من قلب النار. من بين الجثث، ومن تحت السقوف المحترقة، من بين القطط التي احترقت ولم تمت. افعلوا ما تستطيعون. أوصلوا الصوت. لأن السكوت في هذه اللحظة خيانة، مليشيا الهجري جعلت السويداء محرقة، أرض موت.

زمان الوصل
(47)    هل أعجبتك المقالة (17)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي