أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

فروقات الموت: لماذا يبدو بعض الضحايا "أكثر أهمية" في سوريا؟

ليست هناك دماء أغلى من أخرى

ليست هناك دماء أغلى من أخرى، ولا حياة أهم من حياة؛ فكل السوريين متساوون في القيمة الإنسانية. هذا مبدأ أساسي لا يمكن الجدال فيه، وهو جوهر أي مجتمع عادل ومنصف. 

ومع ذلك، يبرز في الواقع السوري تساؤل مشروع ومُلحّ يثير حفيظة الغالبية العظمى من السوريين: لماذا نلاحظ اهتمامًا إعلاميًا وسياسيًا مكثفًا، بل وصخبًا عالميًا أحيانًا، عند مقتل فرد من أقلية معينة (مثل الدروز، العلويين، أو المسيحيين)، بينما يمر مقتل السني أحيانًا كخبر عابر، لا يحظى بنفس القدر من التغطية أو التنديد، بالرغم من أعداد الضحايا الهائلة؟ هذا التباين الصارخ في ردود الفعل يثير استفزاز الأغلبية، ويدفعها دفعًا للتساؤل عن الفارق، إن وجد، الذي يبرر هذه المعاملة المزدوجة.

ازدواجية المعايير: من يحدد "الضحية الأهم"؟
تزداد مرارة هذا التساؤل عندما يُقابل طرحه بالاتهام الفوري بالطائفية. فإذا ما تجرأ أحدهم على الإشارة إلى هذا التفاوت، سرعان ما يُوسم بالطائفية، في محاولة واضحة لتشويه رسالته وإسكات صوته. في المقابل، تُعتبر نفس القضايا، عندما تُطرح من قِبل فئات أخرى، أمرًا طبيعيًا ومقبولًا، بل قد تُقدم كدليل على التنوع والانفتاح. هذه ازدواجية المعايير لا تقتصر على قضايا الموت والضحايا فحسب، بل تمتد لتشمل جوانب أعمق في النسيج الاجتماعي والثقافي.

 فالدفاع عن المعتقدات والقيم الدينية الخاصة قد يُفسر على أنه "تشدد" أو "تطرف" إذا ما صدر من فئة معينة، بينما يُنظر إلى السلوك ذاته، أو ما يشابهه من فئات أخرى، على أنه "انفتاح" و"حداثة" وتعبير عن الهوية. هذا التمييز يخلق بيئة من عدم الثقة والريبة، ويُرسخ فكرة أن هناك "مواطنين من الدرجة الأولى" و"مواطنين من الدرجة الثانية" بناءً على الانتماء الطائفي أو الديني.

أثر عميق على الأغلبية: سنوات الظلم ومليون شهيد
هذا التناقض الصارخ، والإحساس العميق بالتهميش والمعاملة غير المتساوية، يترك أثرًا بالغًا وعميقًا في نفوس الأغلبية السورية. هذا الأثر يتجذر بشكل خاص بعد سنوات طويلة من الظلم الممنهج والمعاناة القاسية التي تعرضوا لها، وحصيلة مأساوية تجاوزت مليون شهيد على يد نظام الأسد والميليشيات الطائفية التابعة له. إن تراكم هذه التجارب المؤلمة، بالإضافة إلى الشعور بأن آلامهم وتضحياتهم لا تُقدر بنفس القدر الذي تُقدر به آلام الآخرين، يغذي شعورًا عميقًا بالاستياء والغبن. هذا الشعور لا يهدد النسيج الاجتماعي فحسب، بل يقوض أي محاولات جادة لبناء مجتمع سوري موحد وقائم على أسس العدل والمساواة والكرامة للجميع.

فالتغاضي عن هذه التساؤلات المشروعة، أو وصمها بالطائفية جزافًا، لا يحل المشكلة بل يزيدها تعقيدًا. إن معالجة هذا التفاوت، والاعتراف بآلام الجميع دون تمييز، هو الخطوة الأولى نحو بناء مستقبل تُعامَل فيه كل دماء السوريين بنفس القيمة، وتُصان فيه كرامة كل مواطن دون النظر إلى انتمائه.

الحسين الشيشكلي - زمان الوصل
(13)    هل أعجبتك المقالة (11)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي