تناولت دراسة حديثة نشرتها مجلة تركية التحولات الاقتصادية في سوريا عقب سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، ووصفت الحدث بأنه أكثر من مجرد تغير سياسي، بل قطيعة مع عقود من الفساد والاحتكار الاقتصادي.
وعانى الاقتصاد السوري من انهيار عميق، نتيجة سياسات ريعية وهيمنة الميليشيات، حيث تراجعت ميزانية الدولة من 14-6 مليار دولار عام 2010 إلى 2-5 مليار فقط عام 2024.
تفاقمت الأزمة مع اعتماد النظام على طباعة النقود، وانعدام الشفافية، وغياب الاستثمار، مما أدى إلى تفكك السياسة النقدية وانهيار الليرة السورية وخسارة أكثر من 12500 ليرة من قيمتها أمام الدولار.
وقبل سقوط النظام البعثي السوري في ديسمبر 2024م، كان الاقتصاد يعيش حالة من الانهيار البنيوي المعمق، نتيجة تراكمات عقود من الإدارة الريعية والسلطوية، حيث كان الملف الحكومي ثانوياً على حساب ملفات تجارة «الكبتاغون» والرشوة والإتاوات، واقتصاد رجال الحرب والمليشيات.
وأشارت الدراسة التي نشرتها مجلة aatworld وكتبها الباحث " محمد غزال" إلى أن الأزمة انعكست على المعيشة اليومية؛ إذ لا يتجاوز الحد الأدنى للأجور 19 دولارًا، بينما يعيش 75% من السوريين على المساعدات، ويعاني 69% من الفقر، و27% تحت خط الفقر المدقع. كما تجاوزت البطالة 37%، وبلغت "البطالة المقنعة" 85% نتيجة غياب الإنتاج الحقيقي.
ما عطل أدوات النمو وأفقد الدولة وظيفتها التنموية، وواصل النظام تمويل عجزه عبر طباعة العملة، مع غياب أي إصلاح هيكلي حقيقي، وغياب الشفافية، وانعدام الكفاءة في إدارة الموارد، واتباعه سياسات اقتصادية تخبطية.
ورافق هذا الانحدار الاقتصادي تفكك في السياسة النقدية، إذ فقدت الليرة أكثر من 12500 ليرة من قيمتها أمام الدولار خلال الفترة من عام 2010 إلى 2024، وتدهور الناتج المحلي الإجمالي إلى مستويات غير مسبوقة، حيث سجل في عام 2021 فقط 20 مليار دولار، مقارنة بنحو 60 مليار دولار عام 2010، واتسعت الفجوة بين الناتج المحلي الإجمالي الاسمي والحقيقي؛ ما يعكس الانكماش الحاد والتضخم المزمن، كما تجاوز الدين العام 200% من الناتج؛ ما وضع سورية في حالة عجز مزدوج من مالي ونقدي إضافة لعجز إنتاجي.
فرص التعافي
رغم الواقع الصعب، ترى الدراسة أن المرحلة الجديدة تمثل فرصة لإعادة تأسيس الاقتصاد من الصفر. بدأت مؤشرات إيجابية بالظهور، مثل رفع العقوبات تدريجيًا، وعودة التحويلات المالية، وتوقيع اتفاقيات دولية بمليارات الدولارات.
ولفتت الدراسة إلى أن السوريين في الداخل والشتات يمتلكون خبرات يمكن تسخيرها لإعادة البناء، كما أن هناك موارد طبيعية فسوريا غنية بالزراعة والطاقة الشمسية والموقع الجغرافي الاستراتيجي.
عدا عن وجود رغبة إقليمية ودولية في دعم إعادة الإعمار، بدافع سياسي واقتصادي، ورأت الدراسة أن لحظة ما بعد النظام ليست مجرد نهاية مرحلة، بل بداية جديدة لتأسيس اقتصاد يخدم الإنسان ويعتمد على الإنتاج والعدالة، لا على الولاءات والمحسوبيات، مما يفتح باب الأمل لسوريا أكثر عدلاً واستقراراً.
ونوّهت الدراسة إلى أنه رغم ضخامة التحديات وتعقيد الإرث الاقتصادي، فإن لحظة ما بعد السقوط ليست مجرد مرحلة انتقالية، بل نافذة نادرة لخلق نموذج اقتصادي جديد، أكثر عدالة وكفاءة، وللمفارقة، فإن الانهيار العميق الذي وصلت إليه سورية ليس فقط نتيجة كارثة، بل هو أيضاً فرصة لإعادة التأسيس، بعيداً عن الإرث الإداري أو التشريعي الفاسد الذي قاد البلاد إلى الهاوية، وفرصة لتحويلها من بيئة نابذة للاستثمارات إلى بيئة جاذبة لها.
فرص حقيقية للتعافي
ومع حالة الاحتضان العالمي للحالة السورية الجديدة التي تجلت في توقيع العديد من الاتفاقيات بقيم مليارية، وتصريحات حول إعادة تفعيل نظام "سويفت" التحويلات المالية مع سورية ورفع العقوبات الدولية، تجد سورية نفسها؛ حكومة وشعباً، أنها أمام فرص حقيقية للتعافي والنهوض الاقتصادي.
وتكمن أولى هذه الفرص في الطاقة البشرية السورية، في الداخل والشتات، حيث ينتشر آلاف السوريين حول العالم، ويعملون في كبرى البيئات الإنتاجية، ويحملون معرفة حقيقية بالأسواق، والتقنيات، وأنظمة الإدارة، ليعودوا كفاعلين لا كمتسولين على أعتاب الدولة.
فرصة إستراتيجية
تمتلك سورية إمكانات طبيعية مهملة لكنها واعدة؛ مساحات زراعية كبيرة، وموارد طبيعية وثروات باطنية متنوعة، وموقع إستراتيجي يمكن أن يحولها إلى مركز لوجستي إقليمياً، كما أن الطاقة الشمسية تعد مورداً طبيعياً لم يستغل بعد، وتوفر إمكانية لتقليل الاعتماد على الوقود.
وختمت الدراسة أن ما حصل ليس مجرد مكاسب دبلوماسية فقط ، بل فرصة إستراتيجية لبناء اقتصاد قائم على الإنتاج لا الفساد، وعلى القيمة لا الولاء، ورغم أن طريق التعافي طويلة، فإنها تبنى هذه المرة على أرضية مختلفة؛ وهي أن سورية بلا طغيان؛ ما يفتح المجال أمام السوريين لصياغة نموذج اقتصادي أكثر عدالة وكرامة واستدامة.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية