لطالما اشتهرت مدينة حمص بأنها مدينة بلا متسولين، وكان ذلك ثمرة لجهود جمعية البر والخدمات الاجتماعية، التي تأسست عام 1955، ولعبت دورًا محوريًا في تعزيز التكافل المجتمعي والعمل الخيري.
وعبر عقود من العمل المتواصل، تمكنت الجمعية من تقديم العون للفقراء والمحتاجين، ليس فقط بالمساعدات المالية، بل من خلال برامج شاملة تنظم العمل التطوعي وتكافح الظواهر الاجتماعية السلبية وعلى رأسها التسول.
وكان للجمعية دور فاعل في القضاء على ظاهرة التسول في المدينة، إذ سيرت دوريات تجوب الشوارع ليلًا ونهارًا، وأمنت للمتسولين الحقيقيين المأوى والرعاية في "دار العجزة"، مما ساهم في تحويل حياة الكثيرين نحو الكرامة والاعتماد على الذات. غير أن هذه الجهود توقفت بعد أن تم حل الجمعية قبل ست سنوات من قبل النظام البائد، لتعود الظاهرة تدريجيًا إلى الشوارع بفعل تداعيات الحرب والضغوط الاقتصادية المتزايدة.
ملف التسول
أمام هذا الواقع، أصدرت محافظة حمص بيانًا تعهدت فيه بمعالجة ملف التسول بشكل جذري، عبر خطة تهدف إلى إعادة المدينة إلى سابق عهدها خالية من هذه الظاهرة. وأوضحت أن التسول عاد للظهور نتيجة أوضاع اجتماعية واقتصادية قاهرة، وأحيانًا نتيجة استغلال منظم من قبل شبكات منظمة.
وأكدت المحافظة أنها تعمل بالتنسيق مع مديرية الشؤون الاجتماعية وعدد من الجمعيات الأهلية، من بينها جمعية البر التي عادت للعمل كشريك رئيسي، لرصد الظاهرة ميدانيًا، ومعالجة الحالات كلٌ حسب وضعه. كما أشارت إلى أهمية تعاون المواطنين عبر الامتناع عن تقديم المال للمتسولين، والتركيز على التبرع من خلال القنوات الرسمية الموثوقة.
وشدد البيان على أن مواجهة التسول لا تقتصر على الإجراءات الأمنية، بل تحتاج إلى تضافر الجهود الشعبية ومشاركة فعالة من المجتمع المدني، من أجل تحقيق عدالة اجتماعية مستدامة.
أصوات من الشارع الحمصي
في تعليقات وردود فعل المواطنين على البيان، برزت ملامح الغضب والقلق والحسرة، مقرونة بالأمل في عودة حمص إلى صورتها القديمة.
"بسام غندور" عبّر عن حنينه إلى أيام حمص القديمة حين لم يكن في شوارعها متسول واحد، متحدثًا بمرارة عن "فرق التسول الجائر" التي تجوب الإشارات وتطرق نوافذ السيارات بإلحاح ووقاحة.
وأشار إلى استفحال ظاهرة بيع المناديل والبسكويت، وتَصنُّع العاهات لاستدرار عطف الناس، مستشهدًا برجل يدّعي العمى ويتجول بين السيارات ويضربها بعصاه إذا لم يُعطَ المال.
أما "فريال محمد"، فقد ركزت على الجانب الأخطر من الظاهرة، وهو استغلال الأطفال في التسول من قبل ذويهم. ووصفت ذلك بأنه تهديد خطير للمجتمع، يستدعي أن تكون مكافحته أولوية قصوى.
من جهته، أشار "شهاب الدين رسلان" إلى أن جزءا كبيرا من المتسولين ليسوا أفرادا محتاجين، بل أعضاء في شبكات تسول منظمة. وأعرب عن قلقه من تنامي هذه الظاهرة بصور جديدة، مثل ارتداء المتسولين لملابس دينية بهدف استغلال صورة التدين لكسب التعاطف، مما يشوّه صورة الملتزمين بالدين ويخلق خلطًا في المفاهيم.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية