أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

المراسيم اللا دستورية يا سيادة الرئيس

الشرع

بتاريخ 15 حزيران الجاري، نشرت جريدة "زمان الوصل" على صفحتها تقريراً هاماً ومفصلاً بعنوان: "الفساد في سوريا ما بعد الثورة: عودة السرطان في ثوب جديد". وأهم ما تناوله التقرير هو شبكات الفساد العميقة وقدرتها على التكيف والبقاء، وإعادة تدوير الفساد بادعاء الخبرة الفنية والإجرائية التي يفتقر إليها المديرون الجدد بخلفياتهم الثورية، فقاموا بالعمل كـ "حراس بوابة" لهم، يقدمون المعلومات الناقصة والبعيدة عن الحقيقة، ويحجبون رأي الموظفين الشرفاء والمواطنين عنهم. كما تناول التقرير عودة شبح الصمت عن الخلل الذي خيّم على المؤسسات طيلة الـ 54 سنة الماضية خوفاً من بطش هذه الشبكات. على الرغم من أهمية هذا التقرير وما تقوم به جريدة "زمان الوصل" مشكورة من توجيه الصرخة تلو الصرخة مدعمة بالوثائق لما يجري، إلا أن جانباً خفياً لم يشر إليه التقرير، وهو المراسيم اللا دستورية واللا قانونية لنظام الأسدين، والتي لا تزال سارية وتستخدمها شبكات الفساد تلك.

يعتبر المرسومان 2017 و 2018 الخاصان بالموفدين نموذجين على ذلك، واللذين تناولتهما في مقالين متتاليين على منصة جريدة "زمان الوصل".

في مقالي الأخير بتاريخ 8 حزيران 2025، بينتُ وبالتفصيل كيف أن هذين المرسومين قد خالفا صريح القانون المدني السوري في ثلاثة مواضع: في المادة 148 في بنديها (أ) و (ب)، والمادة 744. وكذلك خالفا الإعلان الدستوري الحالي في مادته رقم 10، والدستور السابق في مادته رقم 52، في أنهما حملا أثراً رجعياً قد حرمته جميع الدساتير السورية والأرضية قاطبة.

وعلى الرغم من مقالي المفصل والجلي، فإن وزارة التعليم العالي لا تزال كمن يستتر وراء إصبعه، وما تزال شبكة الفساد اللا قانونية واللا دستورية فيها ترسل محاميها إلى المحاكم ضد الموفدين بهذين المرسومين كالمتأبطين شراً. لقد لُقّب الشاعر الجاهلي الصعلوك تأبط شراً بهذا اللقب لتأبطه جراباً فيه أفاع، أما متأبطو الشر وصعاليك هذه الأيام، فهم يجولون متأبطين هذه المراسيم اللا دستورية واللا قانونية التي وضعها الأسد الابن لابتزاز الموفدين، كما أشرت في مقالي الأول بتاريخ 20 آذار 2025.

وأمام صلف وتعنت وتسويف وزارة التعليم العالي عن معالجة هذا الأمر والبت به بقرارات واضحة، فإنني أتوجه للسيد رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء في آن معاً للنظر في الموضوع.

لقد قلنا لهم يا سيادة الرئيس: عودوا للقانون والدستور، فجاء الرد: "لا لن نعود، وأنتم من ستعودون صاغرين، أو نسرقكم بالمرسومين 2017 و 2018".

لقد قلنا لهم يا سيادة الرئيس: إذا أردتم لنا العودة، فما عليكم إلا أن تعيدوا لنا حقوقنا في الراتب والمكافئ لأكثر من 1000 دولار قبل عام 2011، لا أن تعطونا أقل من 70 دولاراً وتقولوا لنا: "عودوا." وما نطلبه هنا أقل بعشر مرات مما يتقاضاه الأستاذ الجامعي في الدول المحيطة. فجاء الرد: "لا لن نعيد لكم حقوقكم الدستورية والقانونية، وأنتم من ستعودون صاغرين، أو نسرقكم بالمرسومين 2017 و 2018".

ونحن نقول لهم: "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ"، "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ". وما الدوائر اللا قانونية في الوزارات إلا هذا الشر بابتعادها عن تطبيق ما جاء في القانون والدستور.

نحن لا نتسول يا سيادة الرئيس، بل نطلب الاحتكام لمواد القانون والدستور السوريين، وقد ذكرتهم جلياً في مقالي السابق، بينما هم يريدون الاحتكام لمراسيم تخالف ذلك، وضعها نظام بائد هم ما زالوا ينتمون إليه. ونخشى بعدم تطبيق هذه المواد أن تضيع طاقات كطاقات الموفدين، فتصبح الدولة خصماً لهم بدلاً من أن تكون حاضناً، ويأتي يوم يقولون فيه:
أَضَاعُونِي وأيُّ فَتًى أَضَاعُوا       لِيَوْمِ كَرِيبَةٍ وَسَدَادِ ثَغْرِ
والجدير بالذكر أن قضاتنا في المحاكم في حالة من الارتباك، فهل يطبقون مراسيم الأسد؟ أم يطبقون مواد القانون والدستور التي يخالفونها؟ وتستمر مماطلة وزارة التعليم العالي للبت الواضح في هذه القضية!!

إن المرسومين 2017 و 2018 الخاصين بالموفدين هما مثالان عن مراسيم عدة أصدرها الأسدان بمخالفة لصريح القانون والدستور. من هنا، فإنني أقترح يا سيادة الرئيس أن تصدر أمراً بتشكيل لجنة رئيسة تتفرع عنها لجان فرعية بكل وزارة للبحث عن تلك المراسيم المخالفة، للأمر بإيقاف عملها، وأولها المرسومان 2017 و 2018 الخاصان بالموفدين.

هي دعوة للتصحيح يا سيادة الرئيس، نزولاً عند قول الشاعر:
صَحّحْ لِتَقْتُلَ مَا بِتُرْبَةِ أُمَّتِي                بَذَرُوا، فَكَانَ بِهَا أَشَرَّ بِذَارِ
نعم يا سيادة الرئيس، فقد كان بذار الأسدين شراً، وأنبت علقماً مراً وسيوفاً قاتلة تقطر دماً، وهذه المراسيم اللا دستورية هي أحد بذار الشر الذي بذروه.

د. مصطفى حسين بطيخة - زمان الوصل
(135)    هل أعجبتك المقالة (24)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي