يُعد قطاع الثروة المعدنية في أي دولة رافدًا أساسيًا للخزينة العامة ومصدرًا حيويًا للثروة السيادية.
في سوريا، تشير الأرقام الرسمية إلى تحقيق هذا القطاع لإيرادات جيدة "على الورق". ومع ذلك، يكشف التحقيق أن هذه الأرقام لا تمثل سوى قمة جبل الجليد، وأن الجزء الأكبر من العائدات كان يُهدر ويُحوّل بطرق غير قانونية ليصب في جيوب المتنفذين بدلًا من الخزينة العامة، خاصة خلال فترة حكم النظام السابق. فكيف تحولت هذه العائدات، وما هو الدور الذي لعبه سمير الأسد في تدمير هذا القطاع؟
تحويل العائدات: آليات الفساد المستشرية
عند سؤال متخصصين في هذا المجال، أشاروا إلى العديد من الطرق والوسائل التي اتبعتها إدارة المؤسسة العامة للجيولوجيا، ممثلة بمديرها العام السابق سمير الأسد، لتحويل عائدات هذا القطاع إلى جيوب رموز النظام وزبانيتهم. من أبرز هذه الآليات:
- تخصيص الخامات للقطاعات الأمنية والعسكرية: تم حصر بعض الخامات الرئيسية، مثل الغضار المستخدم في صناعة السيراميك، للفرقة الرابعة.
كانت هذه الفرقة تعين مندوبًا لاستثمار الخام وتحصيل عائداته بتغطية كاملة من مؤسسة الجيولوجيا. مثال آخر هو الرمال الكوارتزية، حيث أُشير إلى مخالفات واسعة في عقد شركة ياسمين الشام لاستثمار رمال القريتين، وما صاحبها من سرقات وتغطية من إدارة المؤسسة.
- غض الطرف عن الاستثمار في المناطق المحظورة: تم تجاهل استثمار بعض المتنفذين في مناطق كان الاستثمار فيها ممنوعًا بقرار من هيئة العمليات، مثل منطقة السليمة. فبينما أُخرج جميع المستثمرين إلى منطقة البتراء، غض الطرف عن ضباط ومتنفذين آخرين لمواصلة العمل، مع توفير غطاء وحماية كاملة لهم.
- احتكر عقود المواد والخامات الصناعية: أُحصرت عقود أهم المواد والخامات الصناعية في أيدي المقربين من النظام، مما سمح لهم بتسعير هذه المواد بأسعار أعلى بكثير من السعر الرائج، حتى بعد إضافة تكلفة الاستخراج والتحميل. أدى هذا إلى خلق بيئة احتكارية وتراكم ثروات هائلة لبعض الأشخاص.
- التلاعب بالمواصفات الفيزيائية للخامات: تم التلاعب بالوزن الحجمي لأي مادة لا يوجد بها قبان نظامي. أُصر على تحصيل حق الدولة بناءً على الوزن، حيث يتم التحويل من حجم إلى وزن. صاحَبَ هذا التحويل ضياعًا يصل إلى 50% في بعض الحالات، من خلال تخفيض قيمة الوزن الحجمي الحقيقية.
- المحسوبية في توزيع الرخص: وُزعت الرخص بناءً على العلاقات والدفع، مما أدى إلى حصر أفضل المواقع لأفضل "الدافِعين".
- "دعم قتلى الأسد" كآلية ابتزاز: اخترع المدير العام ما أسماه "دعم الشهداء" كوسيلة للتقرب من القيادات، حيث كان يحدد مبلغًا يُدفع على كل مستثمر كإتاوة في "صندوق القصر". كان هذا المبلغ يزيد أو ينقص حسب "المزاج والعلاقة الشخصية". من الجدير بالذكر أن هذه المبالغ كانت تُستخدم لاحقًا لدعم "آلة القتل الموجهة لصدور الشعب السوري".
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية