بعد تقصٍّ مطوّل، شمل حوارات معمقة مع أحد عشر شخصًا من موظفين حكوميين ومراجعين، وحتى موظفين في الفنادق وعارضين شاركوا في معرض بيلدكس بدمشق، باتت الصورة جلية: هناك ممارسات غير قانونية من قِبل "الشيخ" أو "الأمير" في دوائر الدولة السورية، ولجان حكومية أعضاؤها "أبو فلان وأبو علّان"!
إن تحميل الدولة دورًا جديدًا يُسمى "الشيخ" أو جعل "الأمير" هو الفيصل بين الحق والباطل، أمر يتنافى مع مبادئ الدولة الحديثة.
على الصعيد الأمني والعسكري، لا يوجد سوى ضباط وصف ضباط وأفراد يلتزمون بسلسلة القيادة العسكرية. ومؤسساتيًا، الدولة لا تحوي إلا موظفين بدرجات مختلفة، يؤدون مهامهم وفقًا للقانون واللوائح المنظمة، ولا يمكن أن نقبل بمثل، الأمر من "أبو فلان"!
الدولة، في جوهرها، هي آلة لخدمة الشعب. لا تسمع ولا ترى إلا القانون، وهي بذلك تقف على مسافة واحدة من جميع مواطنيها. لا أتحدث هنا عن دولة علمانية ولا دينية، بل عن دولة لكل السوريين، دولة لا تتحكم في لباسهم، ولا أفكارهم، ولا حياتهم الشخصية.
أقولها هنا، لعلها تصل إلى مسامع حكيمة: الثقة تُبنى مع الشعب ليس وقت الشدائد فقط وزيارة أماكن الانفجارات، بل بالممارسات اليومية المتسقة مع القانون.
نعم، في كل دائرة رسمية ووزارة، هناك "شيخ" يأخذ دور "مكتب القيادة القطرية"، مما يحد من صلاحيات المدير، بل وربما الوزير نفسه، ويجعل القرارات عرضة لتأثيرات غير رسمية وغير قانونية.
هذه الممارسات ستقود حتمًا إلى صدام مع الناس في وقت نحن أحوج ما نكون فيه لأن نكون جميعًا يدًا واحدة. فالدولة يجب أن تكون حاضنة للجميع، وأن تكون قراراتها مبنية على الكفاءة والمساءلة، لا على نفوذ أفراد أو جهات "لها مونة من أيام المناطق المحررة - ما فينا نزعلن"!
دعوة للعودة إلى الأساس: دولة مدنية بامتياز
عليه، نُعيد ونؤكد: لا علاقة لكم لا بالقرارات الإدارية، فمن يتخذها هو المدير المدني المكلف من الحكومة وليس الشيخ.
ليس لكم علاقة لا بلباس الموظفين ولا المراجعين، وليس لكم علاقة لا بمعتقدات الناس ولا أفكارهم مطلقًا.
إن بناء دولة قوية ومستقرة يتطلب التزامًا صارمًا بمبدأ الفصل بين السلطات، وتطبيق القانون على الجميع بلا استثناء.
إنها دعوة للعودة إلى الأساس: دولة مدنية بامتياز، تخدم شعبها بمساواة وعدل، بعيدًا عن أي تدخلات لا تخدم سوى مصالح شخصية أو فئوية ضيقة. هذه هي السبيل الوحيد لاستعادة ثقة الشعب وتحقيق التعافي والازدهار للجميع.
عندما نقول دولة مدنية، لا نقصد علمانية، بل دولة تخدم الجميع بغض النظر عن خلفياتهم.
سوريا مقبلة على استثمارات اقتصادية كبيرة، تستوجب أن تكون الدولة حازمة، لا تسمع ولا ترى الا القانون والعقود والمصلحة العامة..
الحسين الشيشكلي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية