أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

من صور الموت في الدفاع الوطني: الناجي 402 يروي قصص الراحلين

بعد نشر صحيفة "زمان الوصل" لمئات الصور لمعتقلين مغيبين لدى "الدفاع الوطني"، يخرج أحد الناجين القلائل ليروي الحقيقة وراء تلك الأرقام الصامتة. محمد عبدالله القجة، الذي ظهر في إحدى الصور حاملاً الرقم 402، نجا من الموت الذي حصد أرواح أغلب من كانوا معه، ليكون شاهداً على مصير أقرانه الذين قُتلوا تحت التعذيب أو جراء الإهمال الطبي المتعمد.

ويحدد القجة مكان التقاط صورته قائلاً: "التقط لي الصورة يوم تحويلي في مقر قيادة الدفاع الوطني في مكان قريب من قاسيون".

اعتُقل القجة، ابن مدينة الرحيبة بريف دمشق، بتاريخ 30 أغسطس/آب 2013، ليقضي 85 يوماً في جحيم حقيقي، حيث كان مصير أغلبية من يدخل هذا الفرع هو الإعدام في "المحكمة الميدانية" سيئة السمعة.

ثمن النجاة من الإعدام
يقول القجة: "لم تكن رحلتي طويلة، والفضل في ذلك لله ولوالدي الذي استطاع الوصول إلى الجلادين ودفع مبلغ مالي". هذا المبلغ، كما يوضح، كان ثمن تحويله إلى القضاء العادي بتهم "الانضمام والتمويل"، وهو ما أبعده عن مصير الإعدام شبه المحتم في المحكمة الميدانية. ورغم إخلاء سبيله من قبل قاضي التحقيق، بقي القجة ملاحقاً قضائياً.

"كم عسكري قتلت؟": بداية رحلة التعذيب
يروي القجة عن لحظات الوصول الأولى فيقول: "أول يوم أخذونا إلى مقر القيادة قبل إيداعنا بمهجع في كتيبة تابعة للواء 105 حرس جمهوري، وهناك سمعت صوت قائد الدفاع الوطني فادي صقر وهو يقول لأحد الضباط المعتقلين وهو طيار: جهز حالك راح أعدمك على حبل المشنقة، كنت مطمشا حينها لكن الصوت لا يفارقني. 

 وكان معنا دكتور جلدية من البنك اسمه خلدون تهمته الوحيدة أنه يحمل الجنسية الأميركية وعائد إلى سوريا. وعند سؤالي له من هذا الذي تحدث مع الضابط، قال "هذا قائد الدفاع الوطني، حقق معي جوا".

ثم يكشف القجة عن الطقوس الوحشية التي تبدأ بها رحلة كل معتقل جديد. "أول سؤال كان يُطرح هو: كم عسكري قتلت؟". ويضيف: "مع هذا السؤال تبدأ رحلة التعذيب بالضرب والشتم والسباب".

ويصف الأساليب المروعة التي كان المحققون يلجؤون إليها لانتزاع الاعترافات بالقوة: "في حال عدم قدرتهم على انتزاع الأقوال، يقومون بتسخين الماء أو الزيت وحرق ظهر المعتقل". هذه الحروق، التي تتحول لاحقاً إلى تقيحات والتهابات حادة، كانت غالباً ما تؤدي إلى وفاة المعتقل ببطء نتيجة الإهمال الطبي.

المهجع: قبر الأحياء
يقدم القجة صورة قاتمة للحياة داخل المهاجع المكتظة، والتي كانت أشبه بقبور جماعية للأحياء. "كان في المهجع عدد يتراوح بين 160 إلى 175 شخصاً، متزاحمين وشبه عراة في مكان لا تتجاوز مساحته أربعة أمتار عرضاً".

ويشرح نظام النوم القسري الذي عُرف بـ "التسييف"، حيث ينام عشرون شخصاً ورأس كل واحد عند أقدام الآخر. "آخر اثنين يتم الدعس عليهم حتى يتمكنوا من أخذ أماكنهم"، في مشهد يجسد أبشع صور الإذلال. أما المعتقلون الذين يعودون من جولات التحقيق مصابين بحروق أو كسور، فكان مكانهم المخصص على بطانية مهترئة عند مغسلة المياه مقابل دورات المياه، حيث يُتركون لمواجهة الموت.

مجتمع مصغر وطفولة مسروقة
لم يقتصر الاعتقال على فئة معينة، بل ضم مثقفين وأساتذة ومحامين وتجار وطلاب وحتى رئيس بلدية. والأكثر إيلاماً هو مشهد الأطفال، مثل الطفل ابن التسع سنوات من المليحة، ومبارك (13 عاماً)، والطفل شادي محمد (الصورة) الذي يتذكره القجة جيداً: "أتذكره عند دخوله المهجع، كانت يداه مربوطتين بحبل ومشدودتين بقوة حتى انتفختا وتحول لونهما إلى الأزرق". هؤلاء الأطفال، مثلهم مثل أغلب الرجال في صور "زمان الوصل"، لم يُكتب لهم النجاة.

شهادة للتاريخ
تأتي شهادة محمد عبدالله القجة لتمنح صوتاً للضحايا الذين ظهروا في الصور كأرقام هامدة، وتؤكد على حقيقة أن الإبادة في معتقلات النظام السوري البائد كانت سياسة ممنهجة. هو واحد من الناجين القلائل جداً، الذين خرجوا من مقرات الموت تلك ليروي قصة الجميع، مطالباً بالعدالة لآلاف الأرواح التي أُزهقت في الظلام.

زمان الوصل
(27)    هل أعجبتك المقالة (30)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي