أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

( الزرقاء ) زي ( كانسس سيتي ) .. ايوب الغنيمات

بين يدي كتاب عن مدنيه الزرقاء سرد فيه كاتبه تاريخها و تتطرق الى تاريخ المجالس البلدية و صورهم  , وتم حشو الكتاب بعشرات الصور التي تظهر المظاهر الحضرية في تلك المدينة  مثل  شارع الاتوستراد والكلية الحكومية والأشجار الباسقة التي كانت تقف مقابل معمل الخمور والتي أزيلت قبل عشرون عاما  و صور للخيول العربية الجامحة  و دلات القهوة المرة وبيوت العز    ( الشعر )  و عشرات عبارات الإهداء لمن ساهم في تأليف هذا الكتب المرجع , و تم حشو الكتاب  بعشرات القصائد التي تتغنى بالزرقاء و هوائها والبيئة فيها من تأليف المؤلف وأصدقائه.

 ما لفت انتباهي في الكتاب هو صور بيئة الزرقاء المعافاة و الواضحة في كل صوره على عكس الواقع المعاش , فجولة صغيرة  في أي حي أو شارع, سوف تدرك  بعدها الفرق ما بين صور الكتب و صورة الواقع , فتدرك بأم عينك حجم الضرر الذي لحق بالبيئة من أعلى نقطة في السماء حتى أسفل نقطة تصلها عينك , و أول ما يتم ملاحظته هو حجم المخلفات  الناتجة عن الاستهلاك , و التي يعجز جيش كامل  من عمال الوطن ( عمال النظافة ) من السيطرة التامة عليها .

في ( مصر )  مثلا ,ينظر الى تلك المخلفات على أنها مصدر من الثروة و مادة أوليه من مواد الإنتاج فتكالبت الشركات الصينية و الايطالية على شراء تلك النفايات لإعادة تدويرها , غير أني اجزم أن النفايات في مدينه الزرقاء هي بلا شك أغنى من تلك النفايات الموجودة في تلك البلدان بتنوع ( خيراتها )  و اجزم أيضا أن  أهل الزرقاء أغنياء بل بعضهم اغني من ( بيل غيتس )  بناء على تلك النظرية (الايطوصينية ), ذاك أن تلك النفايات  الزرقاويه - أن جاز التعبير - شامله و كاملة,  فهي  تتكون من مخلفات الاستهلاك المنزلي و الصناعي من المواد الصلبة و المواد العضوية والمواد البلاستيكية، والورق المقوى، وأوراق الألمنيوم، والزجاج, وعشرات أنواع الغازات السائلة والطائرة ومئات عشرات الأطنان من مخلفات  البناء و مخلفات صناعة التعبئة والتغليف , والتي يستلزم أن يتدخل العامل البشري ليجمعها تكفيرا عما فعله ببيئته .

في الزرقاء اليوم عشرات العائلات التي تعتاش من جمع أصناف محددة دون غيرها من النفايات من قبيل العبوات المعدنية والبلاستيكية في حين أن بقيه أصناف النفايات ترقد في استرخاء حتى يتفتق العقل الزرقاوي عن طريقه - ما - لاستفادة منها ماديا مستقبلا ولكن - لأسف -  ليس بالمستقبل القريب.

البيئة الزرقاويه تعاني  بسبب كثره مخلفات الاستهلاك  والتغليف ,  فقميص واحد تشتريه من أي محل نوفوتيه  في شارع السعادة ,  يكون وزنه الإجمالي يقارب الكيلو غرام  و أكثر ,في حين أن وزن القميص دون تغليف يقارب 300 غرام أو اقل , والأمر ينطبق عند شراءك لجهاز تلفاز أو فرن فتكتشف أن هناك ما يقارب 3000 غرام من البلوسترين و الكرتون و الأربطة والخشب  تحيط بذلك الجهاز و التي يكون مصيرها أحيانا ( الحاوية ), وغالبا في الطرقات والساحات , غير أن الملاحظة الواضحة  في  الزرقاء هي عشرات ملايين  (هذا الرقم مرشح للازدياد ) من أكياس النايلون البلاستيكية التي ترها في كل زاوية وعلى رأس كل شارع أو ( زاروبه ) ,  فتلك الأكياس تتعلق بكل ما حولها من شبكات التلفزيون والشجيرات وحتى انتينات السيارات و أضرار مادة "البولي إتيلين" النفطية المكونة لتكل الأكياس معروفه فهي تتفاعل مع سلبيا مع كل ما يحيط أو يحفظ بها ، وقد تسبب سرطانات ناهيك عن  الأضرار الجسيمة التي تسببها للبيئة فهي صعبة التحلل وقد يستغرق تحللها حوالي /500/ عام، كما ينجم عن حرقها غازات مميتة. رغم توفر البديل المتمثل بالأكياس الورقية  أو القماشيه أو حتى  الحقائب البلاستيكية التي يمكن استخدامها لأكثر من مرة أو حتى استخدام الأكياس البلاستيكية المصنعة من "النايلون العضوي" القابل للتحلل .

أما مخلفات البناء و تلوث المجاري المائية فالقصة طويلة , فتلال مخلفات البناء تنشر مثل المتاريس التي كانت تفصل شرق بيروت عن غربها وفي الساحات - رغم جهود البعض لمنع انتشار تلك الصورة - أضف الى ذلك تلوث الهواء وطبقات الجو وكذلك المجاري المائية و خاصة سيل الزرقاء وروافده والتي أصبحت مجاري للمياه العادمه و ما يرافق ذلك من انتشار أصناف من الحشرات والبكتيريا والفطريات و القوارض  الضارة, و اجزم - بعد الاتكال على الله -  أن اغلب مراجعي عيادات الجلدية والأمراض التنفسية هم من الزرقاء .

 أن ما يقطع القلب ويثير الشجن,  هو حمله القضاء على الأشجار فلا يتم تعبيد أو توسيع شارع ألا على حساب الأشجار فشارع السعادة مثلا أو شارع الملك طلال أو شارع وادي الحجر الرئيسي  كان مرتعا لعشرات الأشجار والطيور  حتى  انقضى الأمر واستبدلت بموكيت اخضر اللون في بعض الأماكن أو بشلالات أكلها الصدى و الغبرة  مثل ذلك الشلال الراقد ميتا  أمام مستشفى الحكمة  .
حبذا لو يتم فرض رسوم مالية على مواد التعبئة والتغليف لرفع أسعارها و لتقليل من استخدامها أو استبدالها تقليدا لدول العالم المتحضرة التي وضعت قيودا صارمة على استخدام ملوثات البيئة.

أما صاحب الكتاب المفتون بالزرقاء فمبروك له عشقه وفتنته , ولولا أني خلقت بالزرقاء واعرفها كما اعرف تفاصيل يدي , لشعرت أن  الكاتب الهمام لا يعرف الزرقاء وأين تقع , فهو كمان يتحدث عن بلدة سويسريه أو بلدة ترقد بالقرب من ( بوسطن) أو( كانسس سيتي )  ميزوري , نعم ,  أن الكاتب بذل جهدا كبيرا في جمعة بياناته وجهدا اكبر في كتابه قصائده و جمع صور رؤساء المجالس البلدية وأعضاؤها  ولكن ما الفائدة التي ترجى والبيئة الزرقاويه  تعاني بل هي  في الرمق الأخير   .

صحفي وكاتب اردني
(86)    هل أعجبتك المقالة (95)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي