في سوريا المُنهكة من الحروب، الممزقة بالهويات، المتعبة من الخطابات… لا نملك ترف الخطأ مرة أخرى، ولا التجريب والتعويل مرةً جديدةً على وعي الأحرار وصبرهم.
إن خطوة السيد الرئيس في إقرار هذه اللجنة هي خطوة صحيحة وتلبية دقيقة لحاجة ملحة في بناء جسم تشريعي يواكب بناء الدولة ويصادق على القوانين. وبالتالي، فإن ما سيحدث ليس مجرّد تعيين أسماءٍ في قائمة، بل هو وضعُ نواة مشروع الدولة القادمة؛ فإما أن يكون مجلسًا يجمع، أو بوابةً لانقسام جديد لا تحتمله البلاد.
فأحسنوا الاختيار يا لجنة مجلس التشريع… إننا نعرف أن إرضاء الكل غاية لا تُدرَك، ولكن يجب أن تحافظوا على مسلّماتٍ ستجمع حولكم الغالبية التي تشكل أساس الديمقراطية. ونؤكد لكم هنا أنكم فرصة لطي صفحة مؤتمر السلم الأهلي المخيّب وتجاوز مغالطاته من خلال اختياراتكم.
فما عاد السوريون يتحملون أن تُفرض عليهم شخوصٌ متهمةٌ بأي علاقة مع نظام بشار الأسد المنهار تحت أي مبرر. الكرة الآن في ملعبكم لتضميد جروح الوطن، خاصةً أن تلك الوجوه ستكون ممثلةً لنا وناطقةً باسمنا.
فتجنبوا الأسماء الجدلية التي قد تعود بنا إلى الوراء، وحافظوا على أناسٍ كالمسلّمات يحملون الوطن في قلوبهم، يسكنون في بيوتٍ بسيطةٍ، كل ما يملكونه هو حلمٌ بوطن، ووعي أمة، وطبق كرامةٍ حدثنا عنه وزيرنا. فابحثوا عنهم في كل زقاقٍ وحارةٍ وخيمة.
إياكم والوجوه التي ركبت كل موجة باسم العشائرية والعائلية، وزعماء المال والمافيات التي لن تجلب لنا سوى تجريب المجرَّب بنتائجه الكارثية.
اخرجوا من قوقعة انتخابات قوائم "ألف" و"باء" الأسدية والوجوه القميئة التي كانت تسجل أسماءها أملًا في السلطة فوق دماء الأبرياء تحت لواء "عبيد الأسد" و"جبهته الوطنية التقدمية". تحدثوا فقط عن الكفاءة في التمثيل والصدق في الموقف، وإياكم و"المكوعين".
ولا بد من الإشارة إلى أمر بالغ الأهمية لطالما لعب عليه المجرم أسد، وهو التعداد الفعلي لممثلي مجلس الشعب استنادًا إلى الكتلة البشرية لكل محافظة وليس لأي اعتبارات أخرى؛ فهذا هو روح الحق ومنبع الديمقراطية.
التعيين فرصة ذهبية لإثبات بُعدنا، حكومةً وشعبًا ولجنةً، عن الطائفية. فأحسنوا التنوع والاختيار، ففارس الخوري لا يزال حيًا في كل طائفة وقومية ودين. وربما قد نشاهد وجوهًا وطنية فذة قد تُقصيها انتخابات حقيقية لأسباب لا أحد يجهلها تتعلق بتركيب المجتمع الذي نعيش فيه، ونحن اليوم بأمس الحاجة لجهودهم.
يسأل الكثير من المتصيدين الذين يحاولون تدمير الدولة التي نقف معها: لماذا التعيين اليوم، وأين ديمقراطيته؟
والجواب ببساطة: لأن الانتخاب المستحيل لا يُنتج تمثيلًا حقيقيًا.
فالدعوة للانتخابات في الوقت الراهن ليست حلاً، بل قناعٌ شفاف لواقعٍ لا يمكن تزويره:
- ثلث السوريين خارج البلاد، وملايين منهم نازحون داخليًا.
- لا أحزاب حقيقية موجودة، ولا بيئة قانونية فعلية بانتظار قانون الأحزاب.
- التمثيل الانتخابي في الظروف الحالية سيكون، لا محالة، تمثيلًا لأقوى العصبيات، لا أعدل الأصوات.
في هذا السياق، يُصبح التعيين قرارًا سياسيًا عقلانيًا… لا تراجعًا ديمقراطيًا. لكن العقلانية وحدها لا تكفي، فالمعيار يجب أن يكون أخلاقيًا ووطنيًا، لا محاصصة ولا محاباة، ولا تعويم لمُكوّعٍ هنا ومجرمٍ هناك.
فـ"المُكوّعون"... جُند الفتنة بصيغة مدنية، ومن أكثر منهم يتقن فن تقمّص المواقف كما تُبدّل الحرباء لونها. هم ليسوا من الشعب، بل من هوامشه الفاسدة. يرتدون رداء المصالحة، وهم سماسرة ذاكرة، يعيدون إنتاج نظام لفظه الناس. يبتسمون الآن لأنهم يحلمون بالعودة من النافذة بعدما أُخرجوا من الباب.
إن إدخالهم إلى المجلس سيُسقط اللجنة قبل أن تبدأ، ويُمزّق الثقة التي بالكاد بدأت تتكوّن. لقد خبِرنا الانقسام ونرفضه، ولن نكون إلا مع المؤسسات، فأبعدوا خطره عنا وعمّن يدفعنا إليه. فقد علّمتنا الخيبة التي أعقبت مؤتمر السلم الأهلي أن الوحدة لا تُبنى بالخطابات، بل باختيار من لا يُقسّم الناس عند سماع اسمه.
فكونوا حراسًا للتماسك، لا شركاء في شقاق جديد. إن أي اسم يُثير الانقسام، أو يُستدعى من ظلال النظام الساقط، أو يُعرف بتاريخه القمعي أو التمييزي، فهو قنبلة موقوتة... لا مقعدًا برلمانيًا.
نحن لا نجامل، ولا نزايد. لكننا نذكّركم أنكم اليوم تُمسكون بمفتاح حساس في لحظة نادرة من التاريخ السوري، وسيكون، إن شاء الله، هذا المفتاح لإخراج المارد الذي سينهض ليعيد دمشق إلى ركب الحضارة التي كانت في أوجها.
المهندس محمد أبو حوى - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية