أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سوريا ومرحلة ما بعد الثورة: الدستور يسقط... لكن قوانين النظام السابق لا تزال قائمة

من دمشق - أ ف ب

في أعقاب التحولات الكبرى التي تشهدها أي دولة تمر بثورة، تبرز تحديات قانونية ودستورية معقدة. ولعل أبرز هذه التحديات هو الفراغ الذي يتركه سقوط الدستور، والإشكالية المتعلقة بمصير القوانين التي كانت سارية في ظله. 

يجمع فقهاء القانون الدستوري على أن الثورة، بحكم طبيعتها كعمل من أعمال السيادة الشعبية، تُسقط الدستور القائم، ومع سقوطه تسقط السلطتان التشريعية والتنفيذية اللتان استمدتا شرعيتهما منه. لكن، ماذا عن المنظومة القانونية للدولة؟

بين سقوط الدستور وبقاء القانون
وفقًا لمبدأ قانوني راسخ، فإن سقوط الدستور لا يعني بالضرورة إلغاء كافة القوانين العادية الصادرة في ظله. هذا ما يؤكده الدكتور مصطفى البارودي في كتابه "الحقوق الدستورية"، حيث يرى أن القوانين تبقى نافذة وسارية المفعول حتى يتم إلغاؤها أو تعديلها صراحةً من قبل السلطة الجديدة، ويتم نشر هذه التعديلات في الجريدة الرسمية للدولة.

إن القول "بتعليق" العمل بالدستور أو "تجميد" مجلس الشعب هو قول غير دقيق من الناحية القانونية، فالأصح أن الثورة قد أسقطت الدستور فعليًا وأفقدت هذه المؤسسات سندها الشرعي. ولنا في تاريخ سوريا الحديث عبرة، فعند انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة، أعلن وزير الإعلام آنذاك انتهاء الوحدة وسقوط القوانين التي أرساها جمال عبد الناصر، وتم نشر ذلك رسميًا، ليكون الإجراء قانونيًا ومكتمل الأركان.

أسئلة ملحة في الواقع الجديد: أين قرارات الإلغاء؟
يطرح هذا المبدأ القانوني أسئلة جوهرية وعملية على الواقع السوري اليوم. فإذا كانت الثورة قد أسقطت دستور 2012 وما قبله من دساتير فصلها حزب البعث على مقاسه، فلماذا لم نشهد حتى الآن أي قرار رسمي منشور في الجريدة الرسمية يلغي قانون تأسيس حزب البعث نفسه؟

الأمر يتجاوز ذلك ليشمل البنية الأمنية العميقة التي حكمت البلاد لعقود. لقد تم إنشاء أجهزة مثل شعبة الأمن السياسي، وإدارة المخابرات العامة، وشعبة المخابرات العسكرية بموجب مراسيم وقوانين نُشرت في الجريدة الرسمية، مما أضفى عليها صفة "شرعية" في إطار دولة النظام السابق.

وحتى يتم تفكيك هذه الأجهزة بشكل قانوني سليم يمنع عودتها مستقبلًا، لا بد من صدور تشريعات جديدة تلغي صراحةً قوانين إنشائها، وتُنشر في الجريدة الرسمية.

إن هذا الإجراء ليس مجرد شكليات، بل هو جوهر دولة القانون. فحتى ترخيص نادٍ رياضي في أي منطقة بسوريا يتطلب النشر في الجريدة الرسمية لاكتساب الصفة القانونية، فكيف الحال بإلغاء حزب حاكم وتفكيك أجهزة أمنية كانت تمثل أركان الدولة؟

سليمان الحسيني - زمان الوصل
(65)    هل أعجبتك المقالة (13)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي