بتاريخ 12 أيار السابق، خرج علينا السيد وزير التعليم العالي بمقابلة يعد فيها بقرارات جديدة لتسوية أوضاع الموفدين الذين لم يعودوا أو غادروا قبل إكمالهم مدة الخدمة القانونية بعد الحصول على الشهادة، والمطالبين وكفلائهم بمبالغ مرتفعة ما أنزل الله بها من سلطان. كان هؤلاء الموفدون فرحين بتصريحات السيد الوزير وقاموا بتبادل المقابلة والتباريك وكأنه عيد، وبما أنني أحدهم فقد كنت أرقب صدور قرار ينصفنا بفارغ الصبر، وطال الانتظار، ويبدو أن السيد الوزير ما زال بانتظار دائرته القانونية لتحيطه بالوضع القانوني للموفدين، لذلك آثرت على نفسي بأن أحيطه بكل القوانين الناظمة التي تتحدث عن ذلك حتى لا يأتيه فاسق بنبأ آخر، وما أكثر الفاسقين والفسوق في النظام السابق.
عدم شرعية المرسومين 2017 و 2018 قانونياً ودستورياً:
تناولت في مقال سابق في جريدة زمان الوصل باختصار عدم شرعية مرسومي العار 2017 و2018 ومخالفتهما القانون السوري وكيف أن النظام السابق كان يهدف لسرقة الموفدين وابتزازهم، وهنا أستفيض:
- لقد خالف هذان المرسومان وبشكل جلي لا يقبل الشك القانون المدني السوري في البند (1) من مادته 148 أن (العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين). لقد كانت جميع العقود المبرمة مع الموفدين على أساس المراسيم التشريعية للأعوام 1971 أو 2004 أو 2013، فجاء المرسوم 2018 ليلغي ما تم الاتفاق عليه. فأنت يا سيادة الوزير أمام قانونين متضادين كلياً، الأول هو القانون المدني والذي ينص على المبدأ الأصيل في جميع القوانين والدساتير الإنسانية أن العقد شريعة المتعاقدين، وبين مرسوم شاذ وتعسفي يلغي العقود من طرف واحد وكان هدف النظام البائد منه سرقة الموفدين لا غير بمبالغ من نسج الخيال، وهو المشهود له بالسرقة والابتزاز.
- إن هذين المرسومين قد خالفا صريح الدستور السوري السابق وكذلك الإعلان الدستوري الحالي في مادته العاشرة (المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، من دون تمييز بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو النسب). فالمرسوم رقم 3 للعام 2017 لم يساوِ بين المواطنين في الواجبات في مادته الثانية (تطبق أحكام هذا المرسوم التشريعي على جميع المطالبات الصادرة بدءاً من 1-8-2013 وعلى جميع القضايا المنظورة أمام القضاء المتعلقة بهذا الشأن التي لم يصدر بها قرار قطعي مبرم) أي أنه ميز بين المواطنين في الواجبات بين من صدر بحقهم حكم قضائي قبل 2013 وبين غيرهم. ولأضرب من نفسي مثالاً فأقول إن العقد المبرم معي ومع كفيلي ينص على اتباع المرسوم 1971 وقد عدت العام 2008 وخدمت جامعة دمشق لمدة 6 سنوات ونصف قبل أن أغادرها، أي أنني خدمت أكثر من مدة إيفادي، لأجد أن غيري ممن لم يعودوا أبداً ولم يعطوا أنفسهم فرصة للخدمة أو تركوا الوطن مبكراً جداً بعد عودتهم مطالبون بالدفع بسعر التحويل، بينما من كانوا مثلي وأنا العائد قبل 10 سنوات من المرسوم 2018 مطالب بدفع 95000 جنيه استرليني بسعر التسديد، أليس في ذلك كل الريبة من هدف هكذا مرسوم؟! إن طلباً بسيطاً من سيادتكم للجامعات السورية بإحضار قائمة بأسماء من قاموا بالدفع بسعر التحويل ممن أوفدوا ما بين العام 2000 والعام 2010، كفيل بإظهار أنهم لا يتساوون مع من أوفدوا بنفس المدة والمطالبين بالدفع بسعر التسديد، أليس في ذلك مخالفة واضحة لصريح الدستور في المساواة في الواجبات.
- خالف المرسومان 2017 و 2018 المادة رقم 52 من الدستور السوري (لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها ولا يكون لها أثر رجعي)، بل إن جميع دساتير الأرض تحرم الأثر الرجعي عند إصدار القوانين، وإذا بالمرسوم 2018 يملك أثراً رجعياً في مادته الأولى، فمن أوفدوا على قوانين سابقة كالمراسيم للأعوام 1971 و 2004 و 2013 حتى ولو عادوا كحالي، سيخضعون لقوانين ذات أثر رجعي عليهم. كل تلك المخالفات للدستور في هذين المرسومين تمت تحت أنظار المحكمة الدستورية في النظام البائد لأن رئيس المحكمة الدستورية بشار الأسد هو نفسه المستبد الإله الذي لا رادّ لحكمه.
- قد يأتيك أحدههم ليقول لك يا سيادة الوزير (أن سعر الدولار ارتفع من 50 ليرة سورية قبل بدء الثورة في العام 2011 إلى سعره الحالي حوالي 14000 ليرة سورية وأن هذين المرسومين جاءا ليأخذا هذا التغير بالحسبان). إن هي إلا محاولة فاشلة للتضليل ونحن على دراية أنها لن تنطلي عليكم، لذا نرد على هذا المتنطع بالقول إن الدولار كان 50 ليرة سورية عندما كان راتب المدرس الجامعي بعد عودته من الإيفاد يتجاوز 1500 دولار، والآن راتب المدرس الجامعي لا يتجاوز 100 دولار أي أقل بـ 15 مرة من السابق ومما تم الاتفاق عليه، وبالتالي فإن وزارة التعليم العالي هي من خالفت التزاماتها تجاه الموفدين بخفضها لمعدل الراتب الشهري الحقيقي، وهذا ما قام البند 2 من المادة 148 من القانون المدني بتوصيفه بالحادثة الاستثنائية (إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها، وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي، وإن لم يصبح مستحيلاً، صار مرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضي، تبعاً للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين، أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك). وهل انخفاض الراتب الشهري 15 مرة إلا حادثة استثنائية أرغمت الموفدين على مغادرة وطنهم؟ وإن المطالبة بالمبلغ الخيالي الذي تطلبه الوزارة مرهق، لذلك أشار البند 2 من المادة 148 أعلاه إلى جواز إعادة الالتزام إلى الحد المعقول، والذي نص عليه العقد المبرم بين الطرفين بالدفع وفق تاريخ التحويل وليس ما جاء في المرسومين 2017 و 2018 المخالفين لكل عرف قانوني ودستوري كما أثبتنا. أما الخيار الآخر فهو إعادة الجامعة الراتب الشهري للمدرس الجامعي لحدود الـ 1500 دولار وقد يعود كل الموفدين حينذاك، فلا أحد يرغب بالغربة عن الوطن إلا لحالات استثنائية.
العودة إلى العقود المبرمة:
بعد إسقاط المرسومين 2017 و2018 قانونياً ودستورياً، نعود للعقود المبرمة التي تنص على اعتماد أحد المراسيم التي سبقت مرسومي العار، وأول هذه البنود هو الدفع وفق سعر التحويل في جميع المراسيم 1971 و 2004 و 2013. فالمادة 68 من المرسوم 70 للعام 1971 تنص صراحة على سداد النفقات المصروفة بصورة فعلية أثناء فترة الإيفاد حصراً لا غيرها، أي سعر التحويل (عندما يطالب الموفد ببعثة أو منحة دراسية أو إجازة دراسية بالنفقات المصروفة عليه خلال مدة إيفاده بموجب أحكام هذا القانون فتحسب هذه النفقات بصورة فعلية متضمنة جميع المرتبات والتعويضات سواءً أكانت مصروفة من ميزانية الدولة أو ميزانية الجهات غير العربية السورية التي تتمتع بمنحها خلال مدة إيفاده). بقي أن نضيف أن مطالبة الموفد وكفيله بالدفع وفق سعر التسديد لا يتفق وحقوق الكفيل وفق المادة 744 من القانون المدني (تجوز الكفالة في الدين المستقبل، إذا حدد مقدماً المبلغ المكفول. كما تجوز الكفالة في الدين المعلق على شرط). فالكفيل عند توقيعه على كفالة الموفد كان يعلم علم اليقين من المراسيم السابقة أن المبلغ المكفول سيحسب وفق سعر التحويل وهذا ما تم الاتفاق عليه في العقد المبرم، ولم يكن يعلم أن مراسيماً كالمراسيم 2017 و 2018 ستأتي بأثر رجعي بعكس ذلك وتطالبه بالدفع بسعر التسديد. وبالتالي فإن تمسك وزارة التعليم بالمراسيم 2017 و 2018 هو إلغاء للكفالة وفق المادة 744 من القانون المدني.
لقد كانت وزارة التعليم العالي في زمن النظام البائد تتعامل مع العاملين فيها من مبدأ الخصومة والسلطوية وليس من مبدأ الأبوة المحبة لأبنائها، وقد سجلت ذلك مراراً في مقالات سابقة منذ العام 2000، ونحن ندعوكم يا سيادة الوزير أن تعيدوا للوزارة مبدأ الأبوة في تطبيق الحقوق على الأبناء، وما نطلبه هنا هو حق قانوني ودستوري وإنساني معاً كما بينا أعلاه لإنصاف الموفدين، فلا تترددوا في إلغاء مراسيم العار 2017 و2018 وإعادة الحقوق بتطبيق العقود المبرمة، فتصبحون بذلك في الذاكرة أنكم رفعتم سكيناً عن عنق الموفدين، (فلو كنت تدري بحالهم من زمان لأنّيت) وهي تكملة أغنية عنوان هذا المقال الجميلة لجوزيف صقر من كلمات زياد الرحباني.
د. مصطفى حسين بطيخة - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية