تكتسب زيارة الرئيس السوري، أحمد الشرع، إلى محافظة درعا في أول أيام عيد الأضحى المبارك، أبعادًا سياسية وجغرافية عميقة، تتجاوز كونها مجرد حركة بروتوكولية. فهذه الزيارة، التي وصفها النص المرفق بأنها "عبورٌ في نسيج الجغرافيا السورية حيث تتقاطع الخريطة مع المصير"، تحمل في طياتها رسائل متعددة الأوجه، وتعكس فهمًا دقيقًا لتعقيدات المشهد السوري الراهن.
درعا، التي انطلقت منها شرارة الاحتجاجات الأولى في 18 آذار 2011، ليست مجرد مدينة في الجنوب السوري، بل هي "خاصرة الوطن النابضة"، ومركز ثقل جيوسياسي بالغ الحساسية. موقعها الفريد على الحدود مع الأردن، وقربها من مرتفعات الجولان المحتلة، يجعل منها نقطة تقاطع للمصالح الإقليمية والدولية. وكما أشار التحليل، فإن "من درعا، تُستشعر حرارة عمان، وتُسمع همسات تل أبيب، ويُرصد نبض دمشق".
تأتي هذه الزيارة كإقرار صريح من القيادة الجديدة بأهمية الجنوب السوري كمدخل أساسي لأي حل مستقبلي في سوريا. فمن أراد "بناء السلام وتلاوين دولة قوية"، عليه أن يبدأ من حيث بدأت "صرخة الحرية الأولى"، في إشارة واضحة إلى ضرورة معالجة جذور الأزمة ومسبباتها. إن التوجه إلى درعا هو رسالة سياسية بليغة مفادها أن تجاهل نبض الجنوب وقراءة المشهد من بعيد لم يعد خيارًا مطروحًا.
على الصعيد الجيوسياسي، فإن وصول رئيس الدولة إلى أقصى جنوب البلاد يحمل دلالات على وجود تفاهمات ومعادلات دولية جديدة قد لا تكون معلنة بالكامل. فالجنوب السوري كان على الدوام ساحة لتجاذبات القوى الإقليمية والدولية، وأي تحرك فيه بهذا المستوى يستلزم حتمًا وجود ترتيبات وضمانات تتجاوز الشأن المحلي.
ومن اللافت في التحليل الإشارة إلى أن أهالي حوران، رغم حفاوة الاستقبال، لم يهتفوا بحياة الرئيس، بل أكدوا على أن "القبلة دمشق" وأنهم باقون على "عهدهم القديم ومعاني صيحتهم الأولى". وهذا يعكس نضجًا سياسيًا لدى أهالي المحافظة، الذين يربطون تأييدهم للدولة ومؤسساتها بمدى استجابتها لمطالبهم التي رفعوها منذ البداية، مؤكدين أن الجنوب الذي "تحمل فاتورة الوطن كاملًا هو دومًا بيضة القبان ومفتاح الاستقرار".
في المحصلة، يمكن قراءة زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى درعا على أنها خطوة استراتيجية تهدف إلى:
- إعادة تأكيد الوحدة الوطنية: من خلال التواصل المباشر مع منطقة كانت بؤرة التوتر ومفتاح الأزمة.
- إرسال رسائل إقليمية ودولية: مفادها أن الدولة السورية تبسط سيادتها وقرارها على كامل أراضيها، وأن أي ترتيبات مستقبلية لا يمكن أن تتجاوز دمشق.
- الاعتراف بأهمية الجنوب: كحاضنة شعبية ومفتاح للاستقرار، وضرورة البدء منه في أي مشروع لإعادة بناء الدولة.
- فتح صفحة جديدة: تقوم على المصالحة ومعالجة المظالم، والبدء في حوار وطني حقيقي ينطلق من فهم الواقع لا من فرض الرؤى.
إنها زيارة تتكلم فيها الجغرافيا وتهمس السياسة، لتؤكد أن فهم سوريا الحقيقية يمر حتمًا عبر بوابة الجنوب، وعبر الإصغاء الصادق لنبض درعا.
المهندس محمد أبو حوى - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية