اختارت الأكاديمية الملكية البريطانية للفنون في لندن عملًا فوتوغرافيًا يحمل شهادة مؤلمة من قلب أحد سجون النظام البائد، ليكون ضمن المعرض الصيفي لعام 2025، أحد أعرق المعارض الفنية المفتوحة في العالم والذي يُنظم سنويًا منذ عام 1769.
العمل الذي حمل عنوان "المختفون" هو صورة بعدسة المصور البريطاني ريتشارد آنسيت، تجسّد قطعة قماش كُتبت عليها أسماء معتقلين سوريين بالدم والصدأ، تم تهريبها من معتقل تابع لـ"الفرقة الرابعة" في مدينة المعضمية بريف دمشق، لتروي حكاية مرعبة عن الاختفاء القسري والتعذيب في سجون الأسد.
وتعود القماشات التي ظهرت في الصورة إلى مبادرة قام بها الناشط والصحفي السوري منصور العمري، المعتقل السابق الذي خاطر بحياته لتوثيق أسماء رفاقه المعتقلين داخل الزنازين.

وقال العمري في منشور على "فيسبوك": "قطعة القماش هذه من بين خمس قطع قمت بتهريبها من المعتقل أثناء إطلاق سراحي... كتبنا عليها – بالدم والصدأ – أسماء المعتقلين للتوثيق والتواصل مع عائلاتهم". مضيفًا: "سيبقى المفقودون حاضرين معنا ومع عائلاتهم، وسنظل نعمل من أجلهم إلى أن نصل للحقيقة والعدالة".
ويُعرض العمل ضمن فعاليات معرض صيف 2025، الممتد من 17 يونيو حتى 17 أغسطس، تحت إشراف المهندسة المعمارية الإيرانية البريطانية فرشيد موسوي، والتي ركزت في نسخته الحالية على "قدرة الفن على فتح الحوارات المجتمعية حول قضايا البيئة والبقاء والعيش المشترك".
ويُذكر أن هذه القماشات قد بدأت تُعرض دوليًا منذ عام 2017، وكانت من أبرز المحطات عرضها في متحف الهولوكوست بواشنطن، حيث شُكّلت شاهدًا حيًا على فظائع التعذيب والإخفاء القسري في السجون السورية، كما ظهرت لاحقًا في معارض في أمستردام، لاهاي، أوريغون، ستوكهولم، والآن في لندن.

وخلال فترة اعتقاله (2012–2013)، أمضى العمري تسعة أشهر في زنزانة لا تتعدى مساحتها 0.5 متر مربع مع أكثر من 60 معتقلاً، وهناك وُلدت فكرة التوثيق باستخدام مزيج من دماء المعتقلين والصدأ من قضبان الزنزانة، كوسيلة لتخليد من لا صوت لهم.
الناشط الذي يعيش الآن في جوتلاند، السويد، لا يزال يشكل صوتًا حقوقيًا بارزًا، خاصة بعد أن وثّق قصته في الفيلم الوثائقي البريطاني "مفقودو سوريا"، والذي استعرض صورًا مسربة من أرشيف "قيصر" الشهير، الذي كشف أكثر من 53 ألف صورة لجثث ضحايا التعذيب.
ولد منصور العمري في دمشق عام 1979، ودرس الأدب الإنجليزي بجامعة دمشق. اعتُقل في فبراير 2012 خلال عمله مع المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، وتعرض للتعذيب قبل إطلاق سراحه في فبراير 2013. ولا تزال منظمة العفو الدولية تصنّفه ضمن سجناء الرأي الذين دفعوا ثمن مواقفهم الحقوقية.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية