يستند هذا التقرير إلى:
- الميزانية الكاملة لمكتب منظمة الصحة العالمية في سوريا خلال عام مالي كامل، بما يشمل بنود الإنفاق والتعاقدات.
- قائمة رسمية بأسماء الموظفين المحليين والدوليين، تتضمن معلومات واضحة عن الأفراد المرتبطين بالنظام السابق أو المتورطين في شبكات محسوبية وأمنية.
- مراسلات داخلية ووثائق صادرة عن مكتب دمشق، تكشف آليات التوظيف والتدخل الأمني في شؤون العمل، بالإضافة إلى تفاصيل عن تحويلات مالية مثيرة للريبة.
حصلت "زمان الوصل" على قائمة بأسماء أكثر من 160 موظفًا في مكاتب منظمة الصحة العالمية داخل سوريا، بالإضافة إلى مراسلات وشهادات من مصادر مطلعة، ومعلومات تفصيلية حول ممارسات مالية وإدارية مشبوهة. هذه المعطيات المتراكمة ترسم صورة قاتمة ومفصلة عن آليات التوظيف والتشغيل داخل هذه المنظمة الأممية الحيوية، مشيرة إلى ما قد يرقى إلى مستوى فضيحة فساد إداري ومالي ممنهج، وتوظيف قائم على الولاءات الأمنية والطائفية للنظام السابق، وإقصاء متعمد للكفاءات، واستغلال صارخ للموارد المالية بما يخدم مصالح شخصيات وكيانات مرتبطة بالنظام البائد.
أولاً: التوظيف المشبوه وهيمنة القبضة الأمنية
التعيينات بأوامر عليا: تؤكد المصادر أن معظم التعيينات داخل مكاتب منظمة الصحة العالمية في سوريا، لا سيما في المناصب المؤثرة، كانت تتم بناءً على طلبات مباشرة من أجهزة المخابرات أو الشرطة أو فروع الأمن التابعة للنظام السابق.
محسوبيات القرابة والولاء: العديد من الموظفين هم من أقرباء ضباط أو وزراء نافذين في عهد النظام البائد. كما تشير المصادر إلى أن قائمة الموظفين تضم بشكل لافت أسماء عائلاتها من الدرجة الأولى يُتهمون بـ"إجرام واضح" أو ارتباطات وثيقة بدوائر النفوذ الأمنية والطائفية للنظام.
الأجانب تحت المجهر: لم يكن الموظفون الأجانب بمنأى عن هذه السيطرة. فقبل منح أي موظف دولي تأشيرة دخول للعمل في سوريا، كان النظام السابق يتأكد بدقة من خلفياته السياسية والمهنية. وفي حال شعور النظام، عبر موظفيه الموالين داخل المنظمة، بأن الموظف الأجنبي لا يعمل وفقًا لمصالحه أو يبدي أي ميول "غير مرغوب فيها"، كان يتم إلغاء إقامته فورًا ويُطلب منه مغادرة البلاد. ويُشرف على مكتب دمشق مدير إقليمي (سيُشار إليه بـ "الدكتور ك. م.") ومعه نواب (مثل "السيد ج. ف." و"السيدة ر. س.")، والذين، كغيرهم من الموظفين الدوليين، يخضع تعيينهم وعملهم لهذه الموافقة الأمنية المشددة.

ثانياً: الفساد المالي واستغلال الموارد – "الصرفيات المشبوهة"
تقدم المصادر تفاصيل مثيرة للقلق حول ما تصفه بـ"صرفيات مشبوهة" وفساد مالي كبير...
شركات وتحويلات عبر دبي وبيروت: يُزعم أن منظمة الصحة العالمية تتعامل مع شركات مسجلة في دبي وبيروت، هي واجهات لأشخاص نافذين في النظام السابق، ويتم من خلالها تمرير عقود وتنفيذ معاملات مالية مشبوهة.
مدفوعات ضخمة لأفراد مرتبطين بالنظام: تتحدث المصادر عن صرفيات كبيرة ومباشرة لأشخاص يُعرفون بارتباطهم الوثيق بالنظام البائد، دون مبررات واضحة لطبيعة هذه الخدمات أو المدفوعات.
"ترميم غرفة" بـ 350 ألف دولار: من بين الأمثلة الصارخة التي أوردتها المصادر، عملية صرف مبلغ يزيد عن 350 ألف دولار أمريكي تحت بند "ترميم غرفة في مبنى وزارة الصحة بدمشق"، وهو مبلغ يثير تساؤلات كبيرة حول حجم الفساد والهدر المالي.
رواتب خيالية تتجاوز المعقول: يُدفع لأطباء وأشخاص متعاقدين رواتب شهرية ضخمة تتراوح بين 5 آلاف و15 ألف دولار أمريكي، في وقت يعاني فيه القطاع الصحي من نقص حاد في الموارد والأجور للعاملين الأساسيين.
دعم منظمات النظام البائد: يتم توجيه دفعات مالية لمنظمات محلية كانت تعمل تحت مظلة النظام السابق، ومعروف، بحسب المصادر، أن جميع هذه المنظمات إما كانت تابعة بشكل مباشر لـ"أسماء الأسد" (زوجة رأس النظام السابق) أو لأفرع المخابرات، ويُشار إليها بأنها "جميعًا فاسدة بشكل كبير".
نمط إنفاق راسخ: تؤكد المصادر أن جميع منظمات الأمم المتحدة العاملة في دمشق كانت تقيم بشكل شبه دائم في فندق "الفور سيزونز" الفاخر، مما شكل دعمًا ماليًا كبيرًا للنظام. كما أن ممارسة الدفع لشركات عبر دبي أو لبنان ما تزال مستمرة، بحسب تقرير رسمي للشهر الماضي.
ثالثاً: السياق الدولي والتعتيم الممنهج
تقارير دولية سابقة: تشير المصادر إلى أن هذا الفساد ليس جديدًا بالكامل، حيث سبق ونشرت صحف عالمية مثل "نيويورك تايمز" وغيرها تقارير حول الفساد وسوء الإدارة في عمل منظمة الصحة العالمية في سوريا، مما يؤكد وجود مشكلة هيكلية وعميقة.
تهميش كفاءات الشمال لطمس الفساد: يُعاد التأكيد على أن الإصرار الممنهج من قبل إدارة مكتب دمشق على عدم توظيف أي سوريين كانوا يعملون ضمن مكاتب غازي عنتاب التركية (التي دعمت المناطق المحررة سابقًا) يهدف بشكل أساسي إلى منع كشف حجم الفساد المالي والإداري المتجذر في مكتب دمشق.

رابعاً: دعوة عاجلة للمحاسبة وخاتمة لا بد منها
إن استمرار الوضع الراهن، كما تحذر المصادر، لا يعني فقط حرمان السوريين من مساعدات هم في أمس الحاجة إليها، بل يحوّل منظمة أممية مرموقة إلى أداة بيد نظام فقد شرعيته، ويقوّض الثقة بالعمل الإنساني الدولي في سوريا. والمقلق أكثر، وفقاً للمعلومات، هو أن "الفريق القديم" الموالي للنظام السابق ما زال إلى حد كبير على حاله يدير مفاصل العمل في مكتب الأمم المتحدة بدمشق. وتضيف المصادر بُعدًا آخر للتعقيد، بالإشارة إلى أن الدبلوماسيين السوريين في الخارج، وهم جزء من تركة النظام السابق، كانوا بدورهم يجمعون معلومات استخباراتية ليس فقط عن المعارضين، بل وعن أداء وتحركات موظفي الأمم المتحدة أنفسهم، مما يشير إلى شبكة معقدة من الرقابة والسيطرة المتبادلة لضمان الولاء.
أمام هذه المعطيات الخطيرة، يصبح لزامًا على الحكومة السورية الجديدة فتح تحقيق فوري وشامل في كافة الادعاءات المتعلقة بعمليات منظمة الصحة العالمية وغيرها من الوكالات الأممية في دمشق. ولضمان نزاهة وفعالية هذا التحقيق، من الضروري الاستعانة بخبرات ومعلومات الفريق السوري الذي كان يعمل انطلاقًا من مكتب غازي عنتاب، فهؤلاء الموظفون لا يمتلكون فقط الخبرة الميدانية باحتياجات السوريين في مختلف المناطق، بل لديهم على الأرجح فهم عميق لأساليب العرقلة والتسييس التي مورست من قبل مكتب دمشق. إن محاسبة المتورطين وإعادة هيكلة الوجود الأممي في سوريا على أسس من الحياد والشفافية والكفاءة هي خطوة لا غنى عنها لضمان مستقبل العمل الإنساني في البلاد.
في النهاية نقول: كل الموظفين الذين عينهم النظام مازالوا في مواقعهم...
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية