أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تحرير الذهب الأسود: كيف نُنقذ النفط من المافيا الإدارية؟

مقدمة: الفساد كمنظومة متكاملة
لا يقتصر الفساد في القطاع النفطي على حالات فردية، بل يشكّل نظاماً قائماً على ثلاث ركائز:
- احتكار المعلومات.
- تحالفات النفوذ.
- غياب المحاسبة.
- تحقيق الإصلاح يتطلب هدم هذه الركائز عبر خطوات متزامنة تشمل الإدارة، المال، القانون، والتكنولوجيا.

1. الإصلاح الإداري: تفكيك شبكات النفوذ وتعزيز الكفاءة
- إعادة هيكلة القيادات العليا، وهو ما تم جزئياً دون استكمال.
- تشكيل لجنة تحقيق مستقلة (محلية) لمراجعة جميع التعيينات خلال العقد الأخير، وإلغاء تلك القائمة على المحسوبية أو الولاءات السياسية والعلاقات غير الأخلاقية.
- منع إعادة تدوير المسؤولين المعزولين عبر مناصب استشارية أو أدوار غير رسمية.
إيجاد آلية فاعلة لكسر احتكار المعلومات ومشاركة البيانات بين جميع المستويات الإدارية، وإنهاء آلية التسلسل العمودي الصارم.
- اعتماد تقييم دائم وسري يشمل كل حلقات العمل، خصوصاً الأدنى منها، نظراً لارتباطها المباشر بواقع الأداء.
- تفعيل الرقابة الداخلية فوراً، مع منح كل مديرية صلاحيات واضحة للتقييم والمساءلة.

بناء كوادر مستقلة:
- إطلاق برامج تدريبية بالشراكة مع جامعات محلية ودولية لتأهيل جيل جديد من الإداريين والمهندسين والفنيين.
- ربط الترقيات بنتائج تقييمات أداء نصف سنوية، وتفعيل برامج تدريب أسبوعية لنقل الخبرات.
- اعتماد التدريب الداخلي في كل مديرية، مع ضمان تبادل المعرفة.
- إنشاء "بنك كفاءات" إلكتروني يضم سجلات الموظفين ومهاراتهم، لضمان الشفافية في التعيينات.

2. الإصلاح المالي: شفافية العقود ومكافحة الهدر
إصلاح نظام المناقصات:
- إلزام الوزارة بنشر جميع العقود على منصة إلكترونية موحّدة، مع ذكر التفاصيل كافة: الأطراف، القيم، والمبررات، وفق معايير منظمة الشفافية الدولية.
- إلغاء العقود المباشرة مع الشركات الوهمية، واستبدالها بمناقصات علنية تُراقب عبر بث مباشر.

تعزيز الرقابة المالية:
- تطبيق نظام Blockchain لتتبع إيرادات كل برميل نفط من الاستخراج حتى التصدير، أسوة بالنرويج.
- استحداث وحدة مراجعة داخلية مستقلة تملك صلاحيات إحالة الفاسدين مباشرة إلى القضاء.

3. الإصلاح القانوني: محاسبة الفاسدين وسد الثغرات
- إصدار قانون يُجرّم التعيينات غير المستندة إلى كفاءة، ويلزم المسؤولين بالكشف عن ذممهم المالية وعقود أقاربهم من الدرجة الأولى.
- فرض عقوبات بالسجن والغرامة على كل من يتورط في صفقات تضر بالمصلحة العامة، مع مصادرة الأصول خلال التحقيقات.
- إنشاء منصة إلكترونية للإبلاغ عن الفساد تضمن السرية الكاملة وعدم ملاحقة المُبلّغين، كما في تجربة العراق.

4. التحول التكنولوجي: من الفوضى إلى الحوكمة الرقمية
- رقمنة جميع الإجراءات (العقود، طلبات الشراء، تقارير الإنتاج)، وربطها بقاعدة بيانات مركزية.
- استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل نماذج الإنفاق وكشف التكرار والشبهات، مثل بند "صيانة طارئة" المتكرر.
- إنشاء مركز وطني لإدارة بيانات النفط والغاز، مع تحديد صلاحيات دقيقة للوصول إلى المعلومات، لمنع تسريبها.

5. الاستثمار في المستقبل: من الاقتصاد الريعي إلى التنويع
- تحويل 20% من عائدات النفط إلى بناء مصافٍ ومعامل بتروكيماويات حديثة، بهدف تقليل الاستيراد وتوفير وظائف.
- تشجيع الشركات الصغيرة على الاستثمار في الطاقة المتجددة، عبر إعفاءات ضريبية مجزية.
- تخصيص 5% من ميزانية الوزارة لدعم البحث والتطوير في تقنيات استخراج صديقة للبيئة وتحويل الغاز المُهدَر إلى طاقة.

6. المشاركة المجتمعية: من التهميش إلى الشراكة
- إطلاق تطبيق يتيح للمواطنين الإبلاغ عن شبهات الفساد (تسرب نفطي، معدات معطلة)، مقابل مكافآت مالية.
- نشر تقارير دورية بلغة مبسطة توضح إيرادات القطاع النفطي وأوجه الإنفاق.
- عقد مؤتمرات دورية لمناقشة سياسات الطاقة، مع إشراك الشباب والخبراء المحليين والدوليين، والاستفادة من تجارب مثل الإمارات.

الخاتمة: الإصلاح ليس خياراً، بل ضرورة وجودية
تحويل الوزارة من "دولة عميقة" إلى مؤسسة وطنية يتطلب:
- إرادة سياسية لمواجهة شبكات النفوذ.
- شفافية مطلقة في كل إجراء.
- الاستثمار في الكوادر البشرية.
- الاستعانة بالخبرات الدولية لضمان نزاهة الإصلاح.

من دون ذلك، ستظل الثروات النفطية عبئاً على البلاد بدل أن تكون مصدر نهضة.

زمان الوصل
(6)    هل أعجبتك المقالة (7)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي