أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الصحافة الجزائرية.. تتفوق على السائد في اغلب الإعلام العربي.. قل ما شئت لن يعتقلك أحد

يصب الكاتب الصحافي الجزائري حكيم لعلام سخريته وانتقاداته على زعماء بلاده بطريقة لا يحلم أغلب الصحافيين في العالم العربي بالوصول إليها. ولا يتورع في مقاله اليومي عن أن ينتقد وزير الطاقة لسعيه للعلاج في سويسرا أو أن يشير إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بكنية "عبدلق" (تصغير عبد القادر وهو الاسم الحركي للرئيس بوتفليقة) التي ربما لا يكون مدلولها طيبا.

لا يرى لعلام أن هناك أي محرمات لا يتعين على الصحافة الخوض فيها ولم يثنه عن ذلك إدانته قبل أربع سنوات بتشويه سمعة الرئيس بوتفليقة والحكم عليه بالسجن ستة أشهر. وأوقف تنفيذ الحكم بعد الاستئناف.

وقال الصحافي الذي ينشر مقاله في صحيفة "سوار دالجيري" لرويترز "أي شخص يقوم بعمل عام يخصني. إذا كان في السلطة فإنني أعتقد أن من حقي أن أتهكم عليه وأسخر منه. هذا هو الثمن الذي عليه أن يدفعه".

وتكمم الرقابة التي تفرضها الحكومة وسائل الإعلام في أغلب الدول العربية إلى جانب الترويع الصريح أو الضغوط المستترة لكن الصحف الكبرى في الجزائر تتميز بالدور الذي تقوم به باعتبارها مدافعا قويا عن حرية التعبير.

كما أن الصحف الجزائرية مختلفة لسبب آخر وهو أن الصحف الكبرى تمكنت من أن تجعل لنفسها نشاطا تجاريا مربحا بتوزيع هائل وعائد كبير للإعلانات وفي الوقت ذاته ترفض سيطرة الدولة.

وتقول صحيفة الشروق أكبر الصحف الجزائرية إنها تبيع 800 ألف نسخة يوميا بينما تقول صحيفة الخبر أقرب منافسيها إن توزيعها يصل إلى 500 ألف نسخة يوميا.

وبالمقارنة ففي المغرب المجاور الذي يبلغ عدد سكانه نفس عدد السكان في الجزائر تقريبا فإن توزيع أكبر الصحف هناك يبلغ 100 ألف.

وفي مصر أكبر الدول العربية سكانا والتي يبلغ عدد السكان فيها ضعف سكان الجزائر تقريبا تقول مؤسسة كارنيجي للأبحاث إن صحيفة الأهرام أكبر الصحف تبيع نحو مليون نسخة يوميا.

ويتيح استقرار الموقف المالي للصحف الجزائرية حرية انتقاد الحكام وهو ما لا تتمتع به الصحف اليومية الأخرى في المنطقة نظرا لأن الكثير منها إما إنه غير مستقر ماليا أو إنه يعتمد على الدعم الحكومي.

وقال الدكتور محمد لعقاب وهو صحافي ويدرّس الصحافة بجامعة الجزائر "في العالم العربي للصحافي الحرية في انتقاد اسرائيل لكن ليس الرؤساء ولا الملوك العرب. لكن في الجزائر يمكننا ان ننتقد بوتفليقة والجنرالات والإسلاميين".

تعود حرية الصحافة النسبية في الجزائر إلى عام 1990 عندما رفع الرئيس الشاذلي بن جديد تحت ضغط من انخفاض أسعار النفط والاضطرابات الشعبية القيود عن المشروعات الخاصة والانتخابات التعددية والإعلام الخاص.


ومنذ ذلك الحين شهدت الجزائر صراعا بين قوات الأمن والمتمردين الإسلاميين مما أسفر عن سقوط ما يقدر بنحو 200 ألف قتيل وتراجعت بعض سياسات التحرر. لكن الصحف أبقت بصورة كبيرة على مكاسبها.

ولم يكن ذلك سهلا. إذ قتل المتشددون أكثر من 100 صحافي في أوج العنف. ويحاكم الصحفيون من حين لآخر لإساءتهم لسمعة مسؤولين. وتم إغلاق صحيفة معارضة بعد سجن صاحبها بسبب مخالفات مالية.

وقال كمال عمارني وهو الأمين العام للنقابة الوطنية للصحافيين الجزائريين إن بوتفليقة "لا يحب الصحافة المستقلة. خلال فترة 11 عاما قضاها في الرئاسة عقد مؤتمرا صحافيا واحد فقط في الجزائر".

لكن الصحف في الجزائر التي يسكنها 35 مليون نسمة يمكن أن تكون أجرأ من أغلب المطبوعات في العالم العربي.

ففي تموز/يوليو قالت صحيفة "الوطن" التي تصدر باللغة الفرنسية أن نجل أحد الوزراء يخضع لتحقيقات جنائية. وطالب الوزير بأن تتراجع الصحيفة على الفور عما قالته. لكن كان رد فعل الصحيفة أن كررت هذه المزاعم في طبعة اليوم التالي.

ونشرت الصحيفة ذاتها بمناسبة مؤتمر حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم رسما صور أعضاءه على أنهم مسنون وواهنون حتى أنهم لا يمكنهم الوقوف دون ارتعاد.

وقال منير زغرور منسق شؤون الشرق الأوسط والعالم العربي في الاتحاد الدولي للصحافيين ببروكسل "الصحافيون الجزائريون شجعان للغاية."

ومن الظروف التي تدعم الصحف الجزائرية كذلك أن التلفزيون لا ينافسها كمصدر للأخبار على عكس الحال في الكثير من الدول العربية الأخرى إذ أن كل القنوات الأرضية مملوكة للدولة وتستقطع البيانات الحكومية جزءا كبيرا من نشراتها الإخبارية مما أدى إلى إحجام الكثيرين عن متابعتها مما يترك السوق مفتوحة أمام الصحف كي تستغلها كما تشاء.

ومكتب صحيفة "الشروق" مغطى بالرخام الفاخر وتتوفر به أحدث أجهزة كمبيوتر وهواتف البلاكبيري. وفي ساحة انتظار السيارات في الخارج يوجد أسطول من عشرات السيارات الجديدة المستعدة لنقل الصحافيين إلى أي مكان.

وقال علي فضيل مدير صحيفة "الشروق" ومالكها لرويترز "تقول عدة هيئات صحافية مستقلة أننا رقم واحد في العالم العربي من حيث التوزيع."

وتضم صحيفة "الخبر" الأقل انتشارا 250 من العاملين المنتظمين و90 من العاملين بالقطعة وتبلغ إيراداتها السنوية 1.6 مليار دينار جزائري (21.3 مليون دولار) ولها مكاتب فاخرة في حي راق بالعاصمة الجزائرية.

كما تمتلك الصحيفة ثلاث مطابع على أحدث طراز تتقاسمها مع صحيفة الوطن. وأغلب الصحف الأخرى يجري طبعها في مطابع مملوكة للدولة.

وقال زهر الدين سماتي رئيس مجلس إدارة صحيفة "الخبر" إن تحقيق الاستقلالية الاقتصادية للصحيفة منحها القدرة على انتقاد السلطات.

وقال "في هذا اليوم أو ذاك سوف تضغط عليك الحكومة. إذا كنت تريد أن تؤدي مهمتك بحرفية فلابد ألا تعتمد على موارد الدولة".

(387)    هل أعجبتك المقالة (213)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي