أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

فؤاد قنديل .. الفتى غض الإهاب " المفتون" بحرفة الأدب..

فؤاد قنديل روائى وكاتب مصرى أصيل استظل بظل شجرة الإبداع الوارفة يلتقط من ثمارها ويغرس من حولها زروعه من قصص وروايات ، بدأ أولى خطواته وسط الحقول الشائكة منتصف ستينيات القرن الماضى ..
فؤاد قنديل المولود يوم الخامس من أكتوبر 1944م فى العاصمة المصرية لأسرة تعود جذورها لأروع بقاع مصر ريفها الذى ينضح بالبراءة والطهر والعبقرية والعطاء ، عمل قنديل منذ سن اليفاعة بشركة مصر للتمثيل والسينما ، فكان نموذجاً يحتذى لكل من يسعى لتحقيق أمنياته بالجد والإجتهاد والمثابرة والعزم حتى نال ليسانس الآداب فى الفلسفة وعلم النفس من جامعة القاهرة ..
فى أول سنوات الشباب كانت قد اعتلجت فى نفسه الاحلام بأن يحترف الأدب ، وراحت قريحته تجود بما جاهد واجتهد على مدى خمس سنوات ماضية يخط بيراعه قصائد حملها إلى " العم بيرم" ، والعم بيرم هو القطب الكبير الذى يجذب كل من حوله ، شغل الدنيا بقصائده وأشعاره وألهب حماس الجماهير التى التفت من حوله فكان صوتها فى زمن قاست فيه الأمة من دياجير الظلام ..
وكان اللقاء الذى تم بين الفتى الغض الإهاب ـ الذى عرفناه فيما بعد بإسم فؤاد قنديل بسماحة نفسه وطيب مشاعره ووجهه الطفولى ودماثة أخلاقه ـ وبين القطب الشهير ، بحث عنه الفتى فى كل موقع ، وسأل حتى إلتقاه جالساً بمقهى فى شارع السد بحى السيدة زينب الشهير ..
راح الفتى ـ الذى لازال رغم عوامل السن تحمل ملامحه الطفولة البريئة ـ تراوده أحلام وأحلام ليحصل على صك البراءة ليصبح بعدها واحداً من الممسوسين بهذا العبق الذى يسرى فى الأوصال كالخدر والمعروف بـ " شعر العامية"..
قدم أوراق اعتماده وانتظر حتى يفرغ القطب مما يخطه بيمينه ، فلا يستطيع أحد مهما كان قدره أن يخرج بيرم من حالته فهو مندمج إلى حد بعيد لا يأبه بشئ مما يدور من حوله ، فرغ صبر الفتى غض الإهاب وانتابه ما يشبه الغضب فلم يعره القطب انتباهاً ولا نظر له بعطف أوحتى ابتسم ، وقرر على الفور أن ينصرف ومالبثت خطاه إلا أن انقطعت حين ناداه بيرم ودعاه للجلوس صامتاً حتى ينتهى من الكتابة ..
استجاب فؤاد قنديل وجلس كالعهد به هادئاً وهو يظن أن اللحظة قد هانت وأن المسافة قد دانت وهو يرقب القطب الكبير الذى ملأ سطور الورقة التى بين يديه والتفت للفتى وسحب ورقة مما بين يديه وراح يخط على ظهرها كتابته والفتى فى دهشة ولسانه يبدو جامداً كقطعة من حجر وشعر بالضجر وقرر مرة أخرى أن ينصرف ولكنه تذكر الورقة التى حملت أبياتاً من شعره وأراد أن يستعيدها ..
فرغ القطب مما كان به قد وهب واقفاً ليستدعى النادل ويمنحه القروش ، وحين طلب الفتى من بيرم الورقة بحث عنها حتى تذكر أنه كتب على ظهرها وأبدى اعتذاره ولم يحزن الفتى غض الإهاب وهو يدرك تماماً بأن ماكتبه ليس بالدرر ومضى فى طريقه بعد أن شكر بيرم التونسى ، ولم يكن يدور فى خلد الفتى أن هذا هو اللقاء الوحيد والأخير معه ، فقد رحل بيرم عن عالمنا بعد ثلاثة أيام فقط فى يوم الخامس من يناير 1961م عن عمر يناهز الثامنة والستين بعد معاناة مع مرض الربو.
ومرت الأيام ، ودارت الأيام كما تغنى كوكب الشرق ، وإذ بفؤاد الفتى الغض الإهاب يعتلج بقصائد جديدة من الشعر ..
عامان مرا بعد اللقاء الخاطف مع بيرم ، ماذا عليه أن يفعل ، سوف تحدد له البوصلة الإتجاه ليلتقى مع شاعر الجماهير " محمد صلاح الدين بهجت أحمد حلمى " المعروف بصلاح جاهين فى مكتبه بمجلة صباح الخير وهو يحرر على صفحاتها باباً أسبوعياً بعنوان " هذا الشاعر أعجبنى " قدم فيه وهو يحمل بين جوانحه نبوءة الشعراء فطاحل شعر العامية المصرية أمثال سيد حجاب والأبنودى وغيرهما ، رحب جاهين بضيفه وفتح له ذراعيه وبدا كطفل يلتقى معارفه بترحاب بكر ، وراح يقرأ الأشعار التى قدمها فؤاد قنديل أو " أبو القناديل" كما دعاه جاهين فى أول اللقاء ، لم يبت فى أمرها بل مال برأيه وراح يدندن بلحن غير مكتمل ، وفى عبقرية المصرى الأصيل الذى لا ينال من زائره قدم له ثلاث ورقات وطلب إليه أن يقرأها ، وفى إمعان تام قرأ الفتى وأدرك أنه أمام عملاق فذ ذكى ، كانت قصيدة ـ على مايذكر فؤاد ـ لشاعر جديد اسمه عبد الرحمن الأبنودى بعنوان الطريق والأصحاب ..
وصلت الرسالة إذن من الشاعر الذى أدهشنا حين قال " القمح مش زى الدهب ، القمح زى الفلاحين " ويالها من دهشة ..
وصلت الرسالة دون صلف أو غرور أو تعالٍ إلى عقل الفتى الذى انتبه إلى أن ثمة سبيل آخر عليه أن يسلكه غير شعر العامية ، ولولا تلك اللحظة الفاصلة فى حياة فؤاد قنديل لما استمتعنا بما جادت به قريحة الفتى غض الإهاب " المفتون " بعشق الأدب واسمه فؤاد قنديل ..

محمد عبده العباسى
(87)    هل أعجبتك المقالة (100)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي