محمود عزمى هو أحد الصحفيين المصريين القلائل الذين كانوا يتمتعون بفكر ثاقب وبوعى تام وفكر مستنير ، كما كان يمتلك قدرات صحفية فذة ، إلى جانب كونه برلمانياً لا يُشق له غبار . ولد محمود عزمى بمنيا القمح شرقية فى مايو 1889م ، ورحل عن دنيانا فى نوفمبر من العام 1954م على أثر إصابته بأزمة قلبية وهو يلقى كلمة مصر فى الأمم المتحدة.
ومحمود عزمى هو أول من فكر فى وضع أول مشروع قانون لنقابة الصحفيين فى مصر وتم على أثره اختياره لترأس اللجنة المختصة بمواثيق الشرف الصحفية فى المنظمة الدولية.
بدأ محمود عزمى حياته الصحفية بالعمل فى جريدة " العلم" التى كان يترأس تحريرها أمين الرافعى ويصدرها الحزب الوطنى الذى أسسه مصطفى كامل.
وتولى محمود عزمى رئاسة تحرير جريدة المحروسة كما عمل فى العام 1920م مراسلاً لجريدة الأهرام فى كلا من فرنسا وإنجلترا كما يؤكد الدكتور محمد حسين هيكل فى كتابه " مذكرات فى السياسة الدولية " فكان أول من عمل مراسلاً صحفياً ، وفى عام 1921م أصدر جريدة الإستقلال ثم انضم إلى أسرة تحرير السياسة اليومية التى صدرت عام 1922م عن حزب الأحرار الدستوريين وابتكر فيها باباً صحفياً جعل عنوانه " برلمانياً".
وحين أصدرت السيدة فاطمة اليوسف مجلتها روز اليوسف عام 1925 م كان محمود عزمى أحد أصحاب فكرة تأسيسها وتولى فيها الكتابة عن السياسة الخارجية ثم تولى رئاسة تحريرها بعد عشر سنوات من صدورها وقام بإدخال العديد من التجديدات الصحفية والتبويب الفنى المبتكر ، كما جعل من ضمن اهتمامات المجلة نشر الأخبار الهامة والصور الفوتوغرافية للحوادث فى الصفحة الأولى وجعل الصفحة الثانية للأخبار المحلية ، وكانت روز اليوسف تصدر على شكل الجريدة اليومية .
شارك محمود عزمى فى تحرير الصحف الوفدية وصحف أخبار اليوم ومجلة الكاتب المصرى التى صدرت عام 1945م .
وكان له طابعه الخاص الذى اتسم بالحرص على العناوين الإستفهامية وكتابة المقدمات التاريخية للموضوعات كما اشتهر عنه أنه أحد أصحاب الأساليب الموجزة عند كتابة المقالات.
ومحمود عزمى بعد من أبرز العقول المصرية المفكرة فى سنوات العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضى ، وأحد رواد الكتابة الصحفية المتعمقة فى القضايا الشرعية والديمقراطية والتجديد.
منذ عودته من بعثته فى السوربون قام بتدريس القانون الدولى فى الجامعات المصرية الوليدة وقتئذ وجذبته الحياة العامة فشارك فى الحوار النشط الذى دار فى عشرينيات القرن الماضى حول الخلافة والدستور وحقوق المرأة وغيرها.
يصف لنا الكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل فى كتابه ( الطريق إلى كابول ـ دار الشروق) أن بيت محمود عزمى فى حدائق القبة حيث يعيش مع زوجته الروسية يوشكا كما كان يحلو له أن يدللها " بيت حافل بثلاثة مواقع قريبة من العقل والقلب : أولها كتب التراث العالمى ـ وثانيها الموسيقى الكلاسيكية ـ أما الثالث فهو تلك المدفأة التى تتحاور مع ألسنة النار فى ليالى الشتاء الباردة ".
وفى العام 1951م كان محمود عزمى عضواً فى الوفد المصرى لدى الأمم المتحدة وكان ناقماً أشد النقمة وبلغ به الحنق كثيراً من تصرفات السلطات الأمريكية معه عندما رفضت منح تأشيرة دخول له ولزوجته ـ رغم كونه عضواً فى وفد مصر ـ لأن زوجته روسية الأصل وكانت تلك السلطات تتعامل مع مواطنى روسيا وقتئذ على أنهم شيوعيون .
ويضيف هيكل مؤكداً بأن السيدة يوشكا لم تكن كذلك بالطبع ، فهى سيدة تنحدر من أصول روسية بيضاء هاجرت إلى باريس عقب الثورة البلشفية التى قامت فى روسيا فى أكتوبر 1917م ، ووقتها إلتقت يوشكا مع محمود عزمى الذى كان يدرس فى السوربون وقتها وتزوجا .
ويذكر هيكل أنه عند زيارته لنيويورك لأول مرة فى أوائل سنوات الخمسينيات إلتقى مع محمود عزمى الذى كان يقطن وقتها فى أحد الفنادق المطلة على ( سنترال بارك) وسارا معا وأمتد بهما الخطو حتى وصلا إلى ميدان ( التيمس) الشهير ثم توقف الدكتور عزمى أمام واجهة زجاجية لمتجر يبيع ربطات العنق ـ الكرافتات ـ وأخذت ابتسامته الساخرة ترتسم فوق وجهه وهو يشير مؤكداً لهيكل أن تلك الواجهة تعد شبيهة وصورة ناطقة ومعبرة عن الدور الأمريكى بما تحمله من ألوان صاخبة وأشكال غريبة وماتنطوى عليه من رسوم مثيرة للدهشة .
ولفت الدكتور عزمى نظر هيكل إلى رابطة عنق ـ بعينها ـ وكانت ذات لون أصفر فى وسطها رسم لعين سوداء فقأها دبوس حاد فأسال بطولها نقطاً حمراء كأنها قطرات دم .
ثم نظر لهيكل وهو يقول بمزيج من السخرية والإشمئزاز :
ـ تفضل ياسيدى ، هذه هى القيم الجمالية للحضارة الجديدة التى يتعين علينا أن نتعامل معها!!.
ثم أضاف بلهجته الساخرة المعروفة عنه:
ـ ها اللـه ، ها اللـه ياسيدى على الحضارة الجديدة.
بالفعل كان محمود عزمى عبقرية سياسية فذة.
ــــــــــــــــــ
بورسعيد
مصر
الدكتور محمود عزمى ..الصحفى صاحب النظرة الثاقبة
محمد عبده العباسى
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية