أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تطوير الإعلام العربي مهمة من ... د.خالد ممدوح العزي

يتضح في مطلع الألفية الثالثة أنه لم يعد هناك أدنى شك آو ريب بأن الإعلام الذكي والمدروس أضحى وباعتراف كل مدرك، أمضى الأسلحة على الإطلاق في إي مواجهة أو معركة مدنية كانت أو عسكرية، فالشواهد والبراهين أكثر من أن تعد أو تحصى، ونستند في قولنا هذا إلى نماذج عدة ذات مفاعيل حاسمة في هذا السياق، نذكر منها نموذجين مختلفين على سبيل المثال لا الحصر، بدءً بنموذج مدني يتشعب إلى مثالين يدركهم الجميع:
الأول والأكثر بديهية، هو الحيز الكبير من موازنة إي شركة منتجة للسلع الاستهلاكية حول العالم، إذ إن نسبة الموازنة الإعلامية تتخطى لدى معظم هذه الشركات نصف الميزانية العامة للإنتاج والتوزيع والتخزين والإدارة معاً. إي إن أعباء ومصاريف الإعلام توازي، إن لم تتخطاها، الاكلاف الإجمالية للمنتج نفسه. ويكفي مراقبة المنافسة الإعلامية والإعلانية بين شركتي بيبسي كولا و كوكا كولا على موازنة الإنفاق الإعلاني لكل سنة كي تظهر الصورة جلية وبكل وضوح مدى أهمية الإعلام والإعلان في هذا المجال.
أما المقلب الأخر في الإعلام المدني والاجتماعي المعبر عن أهمية الإعلام، وان كان ذلك محصوراً بأصحاب النفوذ والقرار ولم يكن بديهي لدى السواد الأعظم من الناس، فهو بلا ريب الأموال الطائلة التي تنفق دون إي حساب على الحملات الانتخابية في الغرب، رئاسية كانت أو مادون، وتصرف بمعدل تسعين بالمئة في وسائل الإعلام عامة.
في الميدان العسكري والاستراتيجي لا يختلف الواقع الإعلامي من حيث الأهمية عنه في الميدان المدني والتجاري بل هو أكثر حدةً وفعاليةً. فجميعنا يذكر بوضوح، اصطحاب القوات الأمريكية، عند غزوها للعراق، إعلاميين مقيمين مع الجنود الغازية ( EMBEDED MEDIA CRUE) لمواكبة المعارك ومحاولة تلطيف فظاعة الغزو وتظهيره وكأنه خدمة عامة إنسانية يقدمها الجيش الغازي لإخوانه في الإنسانية العراقيين العرب، وذلك ليس خوفاً من ردة فعل القوة العربية الضاغطة، إنما توجساً من انقلاب السحر على الساحر في عرينه، فمما لا ريب فيه أن المجتمعات الغربية أكثر تحسساً بموضوع الأخلاقيات الإنسانية ومعادلة الحق والباطل على هذا الصعيد لاسيما وإنها تمتلك إلى حد كبير إمكانية المحاسبة وبالتالي نسبة لا بأس بها من المشاركة في صنع القرار السياسي لدى دولها. وقد شهدنا حسياً التغيرات التي حصلت في إدارات عدة لهذه الدول عند أول استحقاق انتخابي بعد حرب العراق لا سيما في اسبانيا وفرنسا وخاصة في الولايات المتحدة.
في السياق الاستراتيجي ذاته لا يفوتنا بأن نذكر بأن الدعامة الأساسية والركيزة الأكثر صلابة الذي بنت عليها الحركة الصهيونية لقيام دولة عرقية لليهود في فلسطين المحتلة، كانت وما تزال، الترويج الإعلامي ومخاطبة العقل الغربي بالمفاهيم الذي يتفاعل معها وصولاً لإقناعه بأحقية ومشروعية قيام هكذا كيان مستعملة شتى الأساليب والوسائل، محقة كانت أو لم تكن، لحضه على تبني ودعم هذا العمل وصولاً إلى تحقيق قيام هذا الكيان واغتصاب جميع حقوق الشعب الفلسطيني بكل فئاته برضي وقبول بل بتشجيع المجتمع الغربي (المتحضر والمحب للعدالة والحرية والديمقراطية). وذلك كله بفضل تسخير الإعلام الصهيوني لهذا الهدف بدءً من تحميل ضمير المجتمع الغربي أعباء المعاملة الإجرامية السيئة الذي تعرض لها المجتمع اليهودي بشكل عام تحت الحكم النازي في ألمانيا امتداداً إلى جميع البلدان التي سقطت تحت سيطرته وصولاً إلى إقناع أصحاب القرار في هذه الدول وبعد نهاية الحرب بتبني هذا المطلب غير المحق، والمنافي لجميع مفاهيم العدالة المبنية على أساسها أنظمة تلك الدول، والعمل عل قيام هذا الكيان.
أما نحن في المجتمع العربي،فلم نعر أي اهتمام لسلطة الإعلام في هذا السياق بل اعتبرنا الإعلام وسيلة ترويج لقادتنا وزعمائنا تجاه شعوبهم. علماً إننا جميعاً على يقين بأن الحق كل الحق إلى جانبنا وإننا لو أحسنا استعمال هذه الوسيلة بالشكل المناسب مخاطبين العقل الغربي بالمفاهيم الذي يستطيع استيعابها لما حصلت النكبة في وطننا العربي أو على الأقل لم تكن لتلاقي هذا الإجماع والإصرار لدعم هذا المشروع الصهيوني المشؤوم والذي أضحى واقعاً مريراً ولكانت فرصة مقاومته أجدى وأكثر فعالية.
خاصة و إن الجهد في تبيان الحقيقة هذه اقل عناء من محاولة تلفيقها.
أن الإعلام الحر الصحيح أداة وعي المجتمع، والمحتمات تتفاعل مع بعضها البعض تماماً كالأنابيب المتصلة لتصل الى حالة توازن في المفاهيم، فبقدر ما يكون الإعلام منطقياً صادقاً حراً ومنفتحاً تأتي النتيجة ايجابيةً وهادفة. وبقدر ما يكون هذا الإعلام موجهاً غير منطقي منغلقاً ومرتهن، يصبح المجتمع منغلقا خائفاً ودون رجاء.
استناداً إلى ما تقدم نرى أن الوطن العربي بشكل عام يفتقر إلى مؤسسة تأخذ هذه المفاهيم بعين الاعتبار وتهدف إلى تأهيل إعلاميين من مختلف الأقطار العربية لتمكينهم من مخاطبة المجتمعات كافة بالطرق والأساليب الأقرب إلى تفكيرها وخصوصياتها كي نتمكن من تحريك هذه المجتمعات باتجاه قضايانا المحقة التي تستأهل منا هذا العناء إذ إن كل ما تتخبط به امتنا العربية اليوم ناتج عن تداعيات هذا الاغتصاب.
من هنا الجدوى المعنوية الهادفة لإنشاء هذا المركز وتفعيله على امتداد الوطن العربي وإذ نرى من واجبنا الوطني والقومي أن نسعى بكل عزم وإصرار على حث قياداتنا في هذا الوطن العربي الأوسع تبني هكذا مشروع واضعين أنفسنا وخبراتنا قي هذا المجال في تصرف إي فريق يبادر لإنجاحه.

باحث إعلامي ،مختص بالإعلام السياسي والدعاية .
[email protected]

(93)    هل أعجبتك المقالة (85)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي