محمود ابو الفتح صحفى مصرى شهير أصدر جريدة المصرى ، وكان أول نقيب للصحفيين فى مصر فى الفترة من ديسمبر 1938م حتى ديسمبر من العام 1943 م ..
وعلى الرغم من الخلافات العديدة بينه وبين زملائه من الصحفيين فإنها تميزت بالنزاهة والرفعة وعلو الهمة ، ففى أول انتخابات جرت فى تاريخ الصحافة المصرية أجمع كل أصحاب الأقلام الصحفية على انتخاب محمود أبو الفتح نقيباً للصحفيين فيما يشبه الإجماع . ومثل كل ميلاد لصرح جديد لم يكن هناك مقر للنقابة الوليدة ، وفى شهامة المصرى الأصيل فتح محمود أبو الفتح أبواب جريدته " المصرى" أمام كل الصحفيين لتصبح أول مقر للنقابة . وحتى لا تحوم الشبهات حول هذه النقابة عن علاقتها بأى حزب سياسى رأى محمود أبو الفتح أن يقدم شقة كانت مكتباً له تقع بعمارة الإيموبيليا الشهيرة لتصبح مقراً بديلاً حيث كان محمود أبو الفتح من رجالات الحياة الحزبية فى مصر وعضواً بمجلس الشيوخ .
وحدث ذات مرة أن اجتمع مجلس النقابة بنفس الأسلوب المتبع الذى كانت الحكومة تفرض فيه الرقابة على الصحف ، مما دعا محمود أبو الفتح للوقوف مدافعاً وبشدة وهو يرفض أى رقابة للحكومة على الصحف ، ولم ينفض الإجتماع إلا وجميع الأعضاء يقفون فى صفه ، فالرقابة على الصحافة وقتها كانت تشكل حجر عثرة أمام أى مطالب أوطموحات تداعب أحلام أصحاب مهنة البحث عن المتاعب فى أوائل سنواتها مثل طلبها من الحكومة توفير قطعة أرض لبناء مقر خاص بها ، وكذلك مسألة الإعانات السنوية إضافة إلى امتيازات الصحفى فى وسائل المواصلات والسعى لفتح نقاشات جديدة حول أمور متعلقة بالتأمين الإجتماعى .
وسعى أبو الفتح بجهده لتحقيق الكثير من هذه المطالب مستغلاً علاقاته ومركزه كأحد رجال الحكومة فى الصحافة والبرلمان . ففى العام 1943م استطاع محمود أبو الفتح أن يحقق مطلباً هاماً لدى القصر الملكى وهو الإعتراف بالصحفيين كفئة ذات مقام خاص فى الرسميات الملكية بالتمثيل شأنها شأن المهن الرفيعة ، وأصر محمود أبو الفتح على أن الصحافة مادامت تمثل السلطة الرابعة فلابد وأن يكون دورها فى نفس المقام ( رئيس مجلس الوزراء ـ رئيس البرلمان ـ رئيس القضاء ـ نقيب الصحفيين ). وكما يؤكد أستاذنا الصحفى الكبير الراحل حافظ محمود أن محمود أبو الفتح بدأ حياته العملية فى العمل الصحفى محرراً صغيراً فى جريدة الأهالى التى كان يمتلكها الصحفى الكبير عبد القادر حمزة باشا وكانت تصدر من الأسكندرية فى العام 1910 م . وحين رأى عبد القادر حمزة بعينه الثاقبة وخبرته العميقة ونظرته الصائبة هذا الشاب المقبل بكل جدية على هذه المهنة الشاقة ومابدر منه ما ينبئ عن الكثير من علامات النبوغ المبكر شجعه ، وجعله يتابع عن كثب مجريات الأمور فى مفاوضات وفد مصر برئاسة سعد زغلول بلندن عقب ثورة 1919م .
كانت كل الصحف تتابع هذا الحدث نقلاً عن وكالات الأنباء أو من بعض المراسلين الأجانب إلا أن محمود أبو الفتح قد شق عصا الطاعة وسافر إلى لندن عبر وسائله الخاصة وقام بالتغطية الكاملة للمفاوضات مما دعا سعد زغلول إلى ضمه كمساعد فى الوفد المصرى . وحين انشئت جريدة السياسة فى العام 1922م وجد محمود أبو الفتح الفرصة سانحة أمامه لإثبات ذاته وتحقيق بعض طموحاته وسعى للعمل بها مندوباً وأعد العدة ليظهر بكامل هيئته واحترامه فارتدى الملابس الرسمية وكان وسط أصحاب الياقات المنشاة مما دفع الصحف الأجنبية أن تطلق عليه لقب أشيك صحفى فى مصر. ولم تقف حدود الأناقة بمحمود أبو الفتح عند هذا الحد بل إنه امتاز بأسلوبه الأنيق أيضاً وبالكتابة المحترمة وبالتصرفات التى لا تليق إلا بصاحب مقام رفيع مثله .. فقد حدث ذات مرة ـ وكان أبى الفتح يعمل مندوباً لجريدة السياسة ـ أن وجد أحد اللوردات الإنجليز الذين يحظون بمكانة رفيعة فى مصر يستقل قطاراً فخماً من محطة مصر متجهاً إلى أسوان بجنوب مصر ، فما كان من محمود أبو الفتح إلا أن ركب نفس القطار دون أن يفكر فى أن جيوبه خاوية ..
وصل القطار إلى أسوان ولم يجد أبى الفتح سبيلاً أمامه سوى الإستدانة لتغطية نفقات إقامته على نفس مستوى اللورد ، وببصيرة الصحفى وعبقريته استطاع الحصول على صيد وفير وسبق صحفى يكاد أن يصل إلى العالمية. وعاد محمود أبو الفتح فرحاً بما أنجز وقام بتقديم كشف حساب المصروفات إلى المدير المالى للجريدة ، وفى قمة البيروقراطية نظر الرجل إلى الكشف وهاله الأمر وراح يسأله عمن كلفه بالقيام بهذه المهمة . وتعجب محمود أبو الفتح ، وعلى الفور قام بتقديم استقالته .
ورحبت جريدة الأهرام بالصحفى الناشئ وفتحت له صفحاتها ليحقق فيها أكبر نصر صحفى وقتها. كان محمود أبو الفتح ثالث ثلاثة من الصحفيين الذين شاركوا فى أول رحلة جوية للمنطاد " زبلن" فى زمن كان الطيران عادياً وليس بالمنطاد الذى لم يكن مآلوفاً وقتها ليس فى مصر فقط بل وفى العالم بأسره.. وبسبب ما اتسمت به مواقف جريدة الأهرام من حياد فى هذا الوقت ما أدى لوقوع الخلاف سريعاً بينه وبين آل تقلا أصحاب الأهرام ..
واتقدت فى ذهن محمود أبو الفتح فكرة انشاء جريدة المصرى لتصدر بشكل يومى ولتقف فى خط المواجهة أمام جريدة الأهرام وهنا ولدت المصرى فى العام 1936م.
لم يكن محمود أبو الفتح يمتلك ما يستطيع به إصدار جريدة مما دعاه للإستدانة من شقيقه حسين أبو الفتح ، وسعى على الفور لإستكتاب مجموعة من ألمع أصحاب الأقلام فى دنيا الصحافة أمثال محمد التابعى وكريم ثابت وقدم كلا منهما لإبى الفتح ألفى جنيه ليصبح الرصيد ثلاثة آلاف جنيه ، وصدرت المصرى. لم الطريق أمام ثلاثتهم ممهداً ولا مفروشاً بالورود فقد كان عليهم مواجهة العثرات ، ووجد كريم ثابت فى الأمر مشقة فانتحى سبيلاً آخر وعمل مستشاراً صحفياً للملك فاروق ، كما آثر محمد التابعى أن يتفرغ لمجلته الأسبوعية آخر ساعة ..
ووجد محمود أبو الفتح نفسه وحيداً فى ساحة يتلقى كل يوم فيها المزيد من الطعنات والضربات ، يخرج من معركة ليدخل أخرى ويدفع فى كل مرة ثمن النجاح حتى قامت الحرب العالمية الثانية سنة 1939م. فى هذه الحرب سنحت الفرصة من جديد لمحمود أبو الفتح لإثبات ذاته وليصبح ثالث صحفى فى العالم ممن سُمح لهم بالدخول إلى خط " ماجينو" الشهير فى فرنسا وقام بتغطية الأحداث على أحسن ما يكون ومن هنا وبفضل ما تناوله محمود أبو الفتح فى كتاباته تفتحت أمام جريدة المصرى كل أبواب النجاح وأصبحت تقف نداً للأهرام وشكلت بالنسبة لها خطراً داهماً.
ولما قامت ثورة 23 يوليو 1952م كان محمود أبو الفتح وقتها خارج الوطن يعمل على تزويد جريدته بكل ما هو جديد وعاد فى مارس عام 1953م . وذات مساء أقامت نقابة الصحفيين حفل عشاء دعت فيه أعضاء مجلس قيادة الثورة ، ووقف محمود أبو الفتح وألقى خطاباً يؤيد فى الحركة المباركة وعند انصرافه همس رئيس مجلس قيادة الثورة اللواء محمد نجيب فى أذن الصحفى الكبير محمود أبو الفتح يبلغه بأنه قد حدد موعداً للقاء أبى الفتح فى العاشرة من صباح اليوم التالى وطلب إبلاغه بالأمر .
وذهب محمود أبو الفتح فى الموعد المحدد وظل حافظ محمود فى انتظاره بمكتبه فى جريدة المصرى ..
وعاد ليتفقا معاً على مؤازرة العهد الجديد بعمل حملة صحفية وطلب منه ألا يذيع الخبر إلا بعد عودته من رحلة بالخارج استمرت شهراً كاملاً قضاها محمود أبو الفتح لتدبير ما يحتاجه المشروع لكى يخرج إلى حيز التنفيذ ..
وفى وقت غياب محمود أبو الفتح خارج مصر حدث مايشبه الإنقلاب عليه من قبل مجلس قيادة الثورة وتوقفت المصرى عن الصدور وتمت محاكمة محمود أبو الفتح وهو غائب ، وجرت فى النهر مياه كثيرة ..
ومات محمود أبو الفتح فى أغسطس 1958م غريباً عن الوطن ، ولم تنعه صحف بلاده وقتها سوى بسطر واحد " انتقل إلى رحمة الله الصحفى محمود أبو الفتح "..
وكان الرئيس التونسى الراحل الحبيب بورقيبة قد تقدم للسلطات فى سويسراً بطلب لنقل جثمانه إلى تونس .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
بورسعيد
مصر
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية