أغلقت المدينة أبوابها ومنحت المفتاح للمسرح وفرقه ورواده، فأعلنت جحافل "الفن السادس" وجماهيره احتلال الشوارع والساحات في مدينة "أورياك" القابعة وسط جنوب فرنسا في مهرجان سنوي فريد من نوعه أوروبيا وعالميا، يعيدنا إلى العصر الذهبي لـ"أبو الفنون" على مدى أربعة أيام متتالية.
*مسرح سقفه السماء ومدرجاته الأرض
بوسترات العروض المشاركة تغطي جدران الأبنية، والشوارع تغص بعروض مسرحية اتخذت من البساطة ديكورا لها، السقف حدوده السماء، والأرض مدرجات المتفرجين من رواد وعشاق المسرح.
"زمان الوصل" كانت شاهدا على مهرجان "أورياك" المسرحي، الذي انطلق عام 1986 بمشاركة فرق ومجموعات مسرح شارع ومسرح عرائس وسيرك قادمين من كل أنحاء العالم، لاسيما الفرق الفرنسية والأوروبية.
"أورياك" التي تقع وسط "ماسيف ىسنترال" تستضيف مئات الفرق المسرحية لمدة أربعة أيام في الأسبوع الأخير من شهر آب أغسطس في تقليد سنوي يجذب عشرات الآلاف من المتفرجين والعاشقين لفن مسرح الشارع.
ويسبق المهرجان فترة تمهيد (عادة أوائل آب /أغسطس)، قبل المهرجان، حيث تنتشر هناك عروض الشوارع في جميع أنحاء إقليم "كانتال" التي تعتبر "أورياك" عاصمته.
إيذانا ببدء المهرجان وفي مشهد مسرحي بديع، أتقن عمدة بلدة "أورياك" دوره حين سلم مفتاح المدينة للفرق المشاركة هذا العام، وهي 18 فرقة رسمية وأكثر من 600 فرقة عابرة، لتسيطر على المدينة وتحتل الشوارع والساحات والحدائق لتقديم أكثر من 750 عرضاً بين المسرح، والرقص، والغناء والموسيقى.
على مدى أيام المهرجان تخلو شوارع البلدة من السيارات تماما في مشهد غير مألوف، بينما يتنقل جمهور المهرجان الذي يعد بعشرات الآلاف، نساء، أطفالا، رجالا، وكبار سن، في مركز المدينة على امتداد خمسة كيلو مترات في الشوارع والساحات ومواقف السيارات الفارغة ليبحث كل منهم عن العرض الذي يناسب ميوله.
*تسول دون توسل
الفنان المسرحي والمغني "أوليفييه ديدييه" أحد أشهر المشاركين في المهرجان، رجح أن فكرة المهرجان الذي بلغ عامه الثامن والثلاثين بدأت بعروض مسرحية فردية وجماعية في الشارع بهدف التسلية والمتعة ينتهي بوضع قبعة على الأرض ليتبرع المتفرجون بما تجود به جيوبهم وخواطرهم دون إكراه.
وأضاف في لقاء مع "زمان الوصل" أن فرقا من أوروبا وأمريكا وشرق آسيا شاركت في هذا المهرجان، مشيرا إلى أنه نادر من نوعه في أوروبا، مرجحا احتمال وجود مهرجان مثيل في انكلترا أو اسكوتلندا.
وحول تجربته الشخصية كشف الفنان ذو الجماهيرية الواسعة أنه شارك في المهرجان بدءا من عام 1997، كان عمره 24 عاما، لم يكن يعلم ما ذا سيعمل حينها بعد دراسته في مجال الاقتصاد والتجارة، الذي لم يفضل العمل به، فاكتشف مسرح الشارع في "أورياك"، وبعد عام أسس مع
أصدقاء له كانوا يعملون في السيرك، فرقة مزجوا فيها التهريج مع الاستعراض بالدراجة.
وبدؤوا في جنوب فرنسا وشاركوا في مهرجان "أفينيون" المسرحي وهو مشهور في فرنسا ويهتم بالعروض المسرجية التقليدية على خشبة المسرح أيضا.
يتابع الفنان الفرنسي: "عام 1999، بعد عامين من اكتشاف مهرجان "أورياك"، وصلنا إلى هناك مع عرض BMX الذي قدمناه لعرض المشترين وقد نجح على الفور تقريبًا، وهناك مهرجان آخر في فرنسا يسمى Châlons وهو أصغر قليلاً ولكن والذي على نفس المبدأ، نأتي للعب مجانًا كفنانين".
يضيف "أوليفييه" بمزيج من الجد والمزاح "نحن نمثل للتسول، نلعب أدوارنا من أجل القبعة، ولا نتقاضى رواتبنا ولكننا نعرض عروضنا فقط على الجمهور والمشترين في المهرجانات".
ويرى "أوليفيه" أن "ما نقوم به هو في النهاية المساهمة في المصالحة بين الشعب والملك من خلال السخرية منهما والجميع لا يرون شيئًا معًا، هذا هو التقليد اليوم، لم يعد الملك يريد أن نبالغ بالسخرية منه، وبالتالي أصبحت مهنة المهرج أكثر تعقيدًا من ذي قبل".
*بين الصالة والشارع
كان الجمهور يتبع المسرح إلى الصالات، حيث الخشبة أمام مدرجات في صالة مغلقة، بينما نرى كما في مهرجان "أورياك" أن المسرح نزل إلى الشارع حيث يجتمع الناس ليتابعوا.
عن العلاقة بين المسرح والجمهور والشارع، يقول "أوليفييه" إن "مسرح الشارع أكثر شعبية، كما أنه مجاني، وإذا أردنا أن ننظر إلى الاتجاه العام، كان المسرح الداخلي في الأصل شائعًا لدى الناس، لقد كان بالنسبة للشعب وسيلة للتعبير للسخرية من الأقوياء للسخرية من أصحاب السلطة ولعدة عقود، أصبح فنًا برجوازيًا. أي أن الناس لم يعودوا يجدون أنفسهم في المسرحيات التي تعرض في المسارح بشكل عام، والأغنياء هم الذين يأتون فيما بينهم ليعجبوا بالعمل الفكري ويأتي فيما بينهم ليتملقوا غرورهم وذكاءهم".
واعتبر الفنان الفرنسي أن فن الشارع وعروض الشوارع وصل متأخرًا قليلاً، ولذلك تعرف الناس على أنفسهم خلال أداء مسرح الشارع.
ورأى أن أداء الشارع نفسه بدأ منذ عشرين عاما، يميل إلى أن يصبح فكريًا "بينما كان ذكيًا بالنسبة لي، إنه معرفة كيف تقول الكثير من الأشياء بكلمات قليلة، وربما من خلال المسرح يمكننا على أية حال خلق طريقة للتفكير".
يختم أحد أهم نجوم مهرجان "أورياك" بالقول إن "مسرح الشارع كما كان في بداياته كان على وجه التحديد وسيلة للمواجهة، أي أنه كان بديلاً للتفكير بشكل مختلف، ولكن مسرح الشارع اليوم في طور الانضمام إلى المسرح في الصالة، أي أنه لم يعد يُطلب منه مخاطبة الناس. هذا كل شيء، حول مدى ملاءمتها للفكر الفريد والناس غير مهتمين كثيرا باستثناء مهرجان (Aurillac) الذي يعد حقًا مهرجانًا خاصًا جدًا".
جودت حسون - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية