على طول السنين.. مرآة واحدة.. تتبدّل الوجوه, تتغيّر الألوان فتكثر الصور.. والحب هو الحب..
ما الحب سوى حسرة الأيام في أعماقنا!! معبر لزمن هنا.. فمفارق لأقدار تتبعثر في ممرّات شاردة..
وقفت تتأمّل وجهها في المرآة.. خطوط ناعمة بدأت ترسم طريقها نحو الكهولة.. كانت تعدّ سنواتها الأربعين بين الخطوط.. تبتسم هنيهة فتسرق الظنون ملامحها الراضية لتتلاشى في خوف بريء... ويبدأ العدّ العكسي في خواطرها مذكرات صبيّة فاتنة تتراقص في شجن أمام شرفة شرقية ..
صوتها الواهن يلوح بانكسار في آفاق رمادية.. والمعابر لازالت تتدفّق.. وفي كلّ معبر صوت انتظار حارق..
كان غذاءها الروحي حبّ عذري يتمايل ظلالا تتوّجها أهداب الشمس حين تتمايل ستائرها مع لفحات النسيم, فتسرق بانخطاف نجمات من ملامحه الدافئة... ويتوسّع هيامها ليغلّف صحراء قلبها بذاك الأخضر اللامتناهي..
كانت تكدّس أحلامها الحمراء في صندوق الزمن فيتقمّص اللون دور المخدة.. ينطلق على سجيّته في حماسة طافحة بالحب.. تتكشّف أنوار وتتلألأ أقمار, لتستفيق مرتعبة بخجل طافح بالدموع.. إحساس ميوعة حاقدة وانحلال أصفر مشتّت يغرقها في ارتياب..
قضت ربيعها تنتظر حبها بصمت متقصية خطاياها, مرتبة أفكارها بشحنات التقوى المازوشية.. ستائرها تشرق بالحب وساعة غرفتها تتراكم بين أيام وسنوات..
هذه الخطوط الماثلة تحت عينيها.. كم تشي بطوفان الزمن وبداية كهولها.. وخط الدمع مستنفر لكأنه كان يحصي عليها زلاّتها, لاجما ميولها بتصلّب مميت..
إلى يوم تحجر الزمن في قلبها, تماثيل عفّة مخاتلة.. تستخف بدفء الحب على أنه أزمة عابرة.. فتثبت كيانها برفض كل ما حولها.. تشتّت بها الحب فتاقت إلى زواج بارد.. تقدّم أخضر ربيعها في مقايضة ثراء واستقرار..
كانت تلفّق الحجج في طريقة آلية لتلجم غواية الدفء..
وتطفح المرآة لوهلة بشتاء زوجها السبعيني يتصّلب بحماقة وراءها كجسر فوق الهاوية.. تظنّه كالعقاب ماثلا يلاحق سنواتها حتّى النهاية.. تراقبه سرّا في ازدراء فتتقصّى دكانته المبهمة.. إنه صقيع لامحدود يفوق احتمالها..
و تعود لتحصي خطوطها المسترسلة.. خطوط توحي بانهيار نفسي ينقاد نحو غواية الخيانة.. لكن المعابر تتوسّع لتمتد نحو الخلود.. فنهاية الحياة قريبة لا محال.. ثم تفكر في سرّها" لا بدّ من لجم شرر الدفء.. لعلّ مرآتي أخطأت, فالخطوط لم توحي بانهيار على الإطلاق وإنما بسلام روحي.."....
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية