من المفارقات أن مصطلح "الإسلامي" في العصر العباسي كان يعني اي نشاط في الحضارة الإسلامية، فيلسوفا يهوديا أم طبيبا محيا ام شاعرا صائبيا فما المسلمون هم نفسهم المسلمون فقط لكن الاسلام في زماننا هذا،هوالذي يعتبر محيطه المسلم غريبا عنه ، فكيفا اذا بغير المسلمين الذين يعشون معنا وبيننا وامتداد لتاريخنا ولغتنا العربية، فالمفكر السوري شمس الدين الكيلاني يشرح في كتابه" الآخر في الثقافة العربية، دمشق 2009 باعتراف الإسلام ب" الآخر " الديني والجنسي ضمن تصوره لوحدة الوعي لوحدة الجنس البشري اللذان يأمران "الوعي المسلم" ، اما المفكر العراقي حسن العلوي الذي يكتب في كتابه" شيعة السلطة وشيعة العراق، لندن، 2009": بان السريان هم أباء المعرفة العربية، وأعمام الكلام العربي أقلية، لكن مثل الأبناء العشرة والاكثرية جاءت من واحدة ، وقدماء الاديان هم جزاء من اوطانهم الذي هي اوطاننا، الذين يعطون نكهة خاصة لطبيعة هذه المنطقة التي وهبها الله سبحانه وتعالى بتعددية سماوية لاتوجد في اي منطقة من العالم ، لقد جعل بلادنا متحفا للاديان ومحفظة شعوب وقوميات ،فعند تم فتح بلاد مابين النهرين كان قرار سيدنا عمر ابن الخطاب رضيه الله عنه بترك اهل العراق على ما نشأوا عليه من معتقدات دينية وعدم وضعهم في خيار السيف والاسلام ... وعليهم ان يقرروا واحدا منها . فالفضل في استمرار الصابئة، والأشوريين والكلدان والسريان على مذهبهم وأديانهم، واحتفاظهم بمورثهم الثقافي يعود الى القرار الذي يقر ويعترف بوجود الغير والانفتاح عليه اما حالة القدس ووصل الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب الى اليها عام 638 م، عندها خرج صوفرونيوس، بطريرك المسيحيين في المدينة لابسا حلته البطريركية، ليستسلم لعمر الذي كان يلبس البذلة الحربية، فسلم له مفتاح المدينة والذي أصبح تقليدا فلسطينيا حتى اليوم بأن مفتاح المدينة موجود في يد مسلم من العائلات المقدسية من المسلمين. " بيت المقدس"القدس" هي المدينة الوحيدة التي سار لفتحها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ،كذلك فقد حرص اثنان من الخلفاء الأمويين على اخذ البيعة في بيت المقدس: أولهما كان معاوية بن أبي سفيان ، بعد الصلح بينه وبين الحسن بن علي بن أبي طالب أخذ معاوية لنفسه البيعة في الكوفة ومن ثم في "ايليا" ،القدس ،وثانيهما سليمان بن عبد الله فتوجه إلى بيت المقدس وبويع فيها وكان يتقبل البيعة في مسجد الصخرة وعاش في القدس" .
لكن اليوم يختلف الوضع مع دخول المصالح الأمريكية على الخط، فمنذ سنوات رسمت الخارجية الامركية سياسة استراتجية-سياسية جديدة لها في قيادة العالم بعد تفردها في القيادة منفردة للعالم ، فكان العالم العربي والإسلامي جزاء منها ، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وزوال الخطر الشيوعي ، لقد وضعت الاسلام في اولاويات اعدائها ، فعملت على تسويق فكرة اوفكرة الفليسوف الامريكي الراحل " صموئيل همنتمتغون" ، الفكرة القائمة على صدام الحضارات، فالكاتب اليهودي الذي بنى الفكرة على حتمية الصراع بين الشرق والغرب " الشرق الإسلامي والغرب الأوروبي" لان أمريكا بحد ذاتها دولة غير متدينة، لذلك جهزت امريكا كل الامكانيات لبداء الصدام فكان الصدام الأول بين المسلمين والمسيحيين في اوروبا،" كالبوسنة وصربيا ومقدونيا والشيشان ونغورني كراباخ وكوسوفا" فمن العجب بان امريكا تقف إلى جانب المسلمين، في الغرب، وضدهم في الشرق " العراق ، فلسطين، لبنان السودان ، الصومال ،باكستان، أفغانستان" . فلم تكتف ، بالقتل والضرب والتخريب بل انتقلت لزرع الفتنه من خلال مؤسسات إعلامية أروبية غير مشهورة وغير معروفة قابعة في الشمال الدنماركي البارد، من خلال نشر صور كاريكاتورية مهينة لنبي المسلمين "صلى الله عليه وسلم" بانتظار الرد الإسلامي المماثل لتلك العملية ، لكن الرد لم يكن كم توقعته الجهات الأمريكية المعنية ، واضافة الى مشرع الشرق الاوسط الكبير التي حاولت الالية العسكرية الامريكية تنفيذه بنفسها ، بناءا لطروحات مفكرهم العظيم " فرنسيس فوكوياما" صاحب نظرية نهاية التاريخ ، نهاية تاريخ كل القوى والإمبراطوريات ، وبداية عصر جديد فقط في دولة واحدة ، كما يقول "جنكيز خان" سماء واحدة ودولة واحدة لقوة واحدة . لكن السياسة الامركية عملت على التغير في تكتيكها الاستراتيجي للتعامل مع المنطقة فقامت أمريكا على وضع إيران على لائحة العداء السياسي بدل العداء الإيديولوجي الذي كانت موضوعة عليه ، فاكتسبت بذلك ود الجمهورية الإسلامية التي قدمت لأمريكا خدمة جليلة عند احتلالها لأفغانستان والعراق العدوان الرئيسان لإيران دون الاعتراض منها على عملية الاحتلال ، فوضعت أمريكا الإرهاب السني في العداء الإيديولوجي بعد عملية 11 ايلول 2001 واتهمت العربية السعودية برعاية الإرهاب ، ضنت أمريكا بان تنقل المعركة الى العراق مابين السنة بقيادة المملكة والشيعة بقيادة ايران، لقد نسوا إن المملكة دولة لا تنزلق ،وحاولوا نقل المعركة مجددا إلى باكستان ، ففشلوا أيضا ، لكنهم حاولوا توريط المملكة مجددا من خلال هجوم الحوثيين ففشلوا في جرجرت المملكة ، لقد فشل مشروعهم ببناء الشرق الاوسط الجديد على الطريقة الامريكية ، لكنهم نجحوا في تفتيت الحضارات في صراعها الداخلي . لذلك لم ياتي طرح مشروع الغاء السياسية في لبنان في هذه الفترة بالذات من فراغ ، فطرح هذا المشروع ياتي بالوقت التي تعاني المنطقة العربية من ثلاثة ملفات صعبة ومعقدة بين الإسلام والمسيحيين،والملف الرابع بين اليهود والعرب :
- ففي فلسطين الذي يهجر مسيحيها عنوة من قبل العدو الإسرائيلي من أراضيهم وتفتح السفارات الأوروبية تأشيرات سريعة لهم،مقدمين أفضل خدمة لليهود من خلال السكوت على التهجير، فحنا نرفض استرجع الارض المحتلة متضمنة الارض والكنائس فقط دون السكان، الذين تم افراغهم من المنطقة .
- العراق الذين هجروا سكانه دون سبب يذكر بعدما كانوا أساسا في التعايش والعراقة الانتربولوجية، وبالرغم من ظلم ودكتاتورية النظام السابق الا انه، حافظ على وحدة التعايش وتركيبة الشرائح السكانية فيه.
-السودان البلد الذي أدت إليه الصراعات الطويلة والنزاعات العرقية والدينية لاستنزاف قدرات شعبه المادية والمعناوية ، لقد عانى الشعب الواحد اثناء فترة الحرب الاهلية الداخلية، فاليوم السودان موضع على قائمة الاستفتاء المقرر إجراءه السنة القادمة في 2011 ،مابين الشمال والجنوب ما بين المسيحيين والمسلمين "سؤال واحد يقرر الانفصال أو البقاء" .
- مصر التاريخ الشعب الحضارة ، بداءت تدخل في نزاع طائفي جديد على حضارة و ثقافة الشعب المصري سابقا والذي لم يعرف لها سابقا مثيل، النزاع بين المسلمين والأقباط، فان هذا الصراع الذي يحاول ادخال مصر بحرب داخلية مذهبية مما أدى بتدخل الفاتيكان مباشرة بإعلان الحماية لمسحي مصر ، بالوقت الذي كان يجب عليه التدخل سابقا لحماية مسيحي العراق . ممادفع بالرئيس حسني مبارك بان يضع حدا مباشرا لكل هذه المهزلة ، بقوله باني رئيس لكل مصر .
- يأتي دور لبنان ليطرح شعار الغاء الطائفية السياسية،بظل هذه الاوضاع المتداخلة التي بعضها بعض من خلال التهجير ألقصري لمسحي الشرق ، فالذين يحاولون ضرب صيغة العيش المشترك بين المسيحين والمسلمين في لبنان ، وضرب الصيغة اللبنانية ، صيغة العيش المشترك ،فالرئيس بري هومن طارح هذا الطرح الدستوري من خلال الحفاظ على تطبيق الدستور و بالأمس اقفل الدستور ووضع المفتاح في الجيب عجيب أمره، ضرب الصيغة ليست ضمان لمستقبل لبنان الذي يحافض على حقوق كل الاقليات في رمزية خاصة للتعددية المذهبية ، فالرئيس بري يمثل طرف وجزء ا من لعبة سياسية- إقليمية تحاول تعويم دورها في ظل أعادة ترتيب ملفات المنطقة كلها . فإذا كان سيدنا عمر هو سر بقاء الاديان والتعددية في المنطقة العربية والاسلامية ، فما معنى الدخول في صرع تدمير الحضارات ، وتهجير الاقليات الدينية والدخول في صراعات جانبية واثنيه وعرقية. لكننا نرى الهدف الأساسي في هذا الصراع، الذي يخاض غماره اليوم على ارض الرسالة السماوية، يكمن في تدمير مفهوم الدولة العربية،التي تشكل عائقا أساسيا بوجه المشاريع والإطماع الإقليمية الأخرى التي تحاول الاستيلاء على بلادنا وسلب خيراتها وثرواتها الفكرية،المادية، فكانت العراق البداية، ومصر هي الهدف الثاني والدسم لهذه الآلة الحديدية "البلدوزارية" بسب ما تتعرض له اليوم من حملات شعوا ضدها، كدولة ونظام وشعب،من خلال محاولة العبث بأمنها واستباحت أمنها القومي، فإن تفكيكها كدولة كبرى وقوية إلى كيانات وأعراق متعددة هو الاساس من اجل الامسك بزمام أمورها وأمورنا وقرارننا القومي والإسلامي. لقد وضعت الطائفة السنية قوميتها فوق مذهبيتها على جنب وانتمت إلى دين الإسلام، والقومية العربية . فإن إفراغ المنطقة من تعدديتها العرقية الدينية هو هدف يخدم الحلم "الإسرائيلي، الصهيوني " بالدرجة الاولى، لكي تبرر وجود دولتها اليهودية بأن الإسلام والمسلمين لا احد يستطيع العيش معهم ، فكيف تجبرونا نحنا على العيش معهم ، انظروا مصر، العراق، السودان، لبنان ، وحتى الانتيات الاخرى التي تخوض اليوم صراع كبير من اجل أتبات هويتها القومية والتي ليست موضعنا " كالأكراد والأفارقة والبربر" .
بالدرجة الثانية هو هدف يخدم الإطماع الفارسية الإيرانية،التي تعمل على إعادة أمجاد الإمبراطورية " الفارسية " القاديمة انتقاما للتاريخ القديم ، من خلال تقديم نفسها أما للأقليات الأخرى ، كي يستنجدوا بها لحمايتهم من خطر الأكثرية السنية التي تشكل عليها أصلا خطرا كبيرا ولكونها تعاني هي نفسها من همجية الأكثرية السنية، فالهجمة المبرمجة على دار الإفتاء اليوم ليس ضد شخص المفتي بل هو ضد الاكثرية السنية في لبنان ليس العددية ،وإنما لكونها أكثرية الامتداد للعمق الاسلامي العربي والعالمي ، لان الهدف واحد هو التفتيت والتمزيق لان حالة الطائفة السنية هي ليست حالة طائفية متقوقعة بل هي حالة قوية ، لها ارتباطها وامتدادها ليس الإسلامي والعربي وإنما الدولي والخارجي نتيجة الاقتناع الكامل بمبدأ التعايش المشترك والحوار والتعددية والاعتراف بالأخر لان الإسلام هو الإسلام الوسطي أي إسلام الانفتاح كل شيء وليس الالتفاف عليها ولها. لذا يجب علينا اليوم الانتباه الى التركيبة الاجتماعية للعالم العربي والحفاظ عليها أكثر من إي وقت مضى،لا فشال كل المشاريع والمؤامرات التي تحاك ضد عالمنا الاسلامي والعربي وهذا مطلوب من الطائفة السنية لانها هي الاكثرية والمستهدفة بالدرجة الاولى فعليها ان تحافظ على كل الاقليات والعروق من خلال الالتزام بمبدأ المواطنة والاحترام لكل فرد .
[email protected]
كاتب و باحث، مختص بالإعلام السياسية.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية