أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أطلقوا النار عليه وعلى زوجته فاتهم بقتلها.. "منهل عبد القادر" سوري يقاوم أصفاد سجن "رومية"

من مكتبة الشاعر منهل عبد القادر داخل السجن - زمان الوصل

أدب السجون مدرسة إبداعية قائمة بحد ذاتها. أبطالها أدباء قد خبروا مظلومية الإعتقال، وأدمت جلودهم سياط المحققين، داستهم الظروف، وتآمرت عليهم الصدف لتحولهم "بغفلة من عدل" من قامات أدبية مشهورة.. إلى قامات إجرامية مشبوهة.

في الأمس.. وقبل أن تتلطخ أرواحهم بعفن "السجن" كانوا يعتلون صهوات قوافيهم يمخرون بها عباب بحور الشعر بحثا عن بقايا فلول العاشقين الذين تتلمذوا على يد "جلال الدين الرومي"، بحثا عن سلال من "زهراللوز" الذي برعم على شرفات الوطن المشتهى الذي كان يحلم به "محمود درويش"، بحثا عن أرقام الزنازين والمنفردات التي طوقت بظلامها جموح "أحمد فؤاد نجم" وتمرد "مظفر النواب".

اليوم.. وبعد أن أظهرت لهم العدالة نصف وجهها المشوه القبيح .. أجبروا على قضاء ساعات يومهم صعلكة بين جدران السجن، وتسكعا عبثيا مقطوع الرجاء أمام أبواب المحاكم، وتمردا صامتا أمام أحكام القضاة التي باتت لاتساوي في نظرهم أكثر من "أحجار نرد" تحركها صدفة مجنونة حدود جنونها من البراءة للإعدام.

وفي أحسن الأحوال حولوا تفاصيل يومهم داخل السجن لتعاطي علني لما تجود به قريحتهم (المشبوهة) من أشعار ونتاجات أدبية وثقافية.. يكتبونها.. ينظمونها.. وينفثون حبرها كاللعنة في وجه عالم تجرأ على توقيع مرسوم ضمهم للوائح المجرمين وقوائم الخارجين عن القانون.

* سوسنة شعرية على قضبان "رومية"
يطلب المعتقل السوري "منهل عبد القادر" بداية حديثه لـ"زمان الوصل" بأن "لا تحاورني لتقدمني لقرائك على أنني شاعر مبتدئ أو هاو، أو أن تحاول الإيحاء لهم أن السنوات التسع التي قضيتها داخل هذا السجن هي من فجر في داخلي ملكة الشعر، فأنا شاعر وإعلامي معروف قبل دخولي السجن".

ويضيف "نشرت في الصحافة السعودية مذ كنت في سن الخامسة عشر من عمري، وحصلت على جوائز أدبيه عدة منها جائزه النادي الأدبي بالرياض عام 2007 والمركز الأول في جائزه "موبايلي" الشعريه المقامه على مستوى المملكة، ولي العديد من القصائد المنشورة صحفيا وتلفزيونيا، وأنشد كلماتي نخبة من نجوم فن الإنشاد الإسلامي العربي، وعملت منتجا ومذيع برامج في عدد من القنوات العربيه منها ام بي سي والرساله والمجد وتلفزيون ابوظبي وروتانا اف ام وغيرها، كما عملت صحفيا في عدد من الصحف السعوديه المطبوعه والإلكترونيه ومؤسس لعدد من شركات الإنتاج الإعلامي والتلفزيوني والاذاعي، وعملت مدربا إعلاميا عبر عدد من مراكز التدريب في السعوديه والخليج، ومستشارا ومديرا تسويقيا لعدد من المنصات التلفزيونيه والإلكترونيه العربية والسعودية، ولدي ديوانا شعر قيد النشر، وكل هذا موثق على صفحات مكتبي الإعلامي في (فيسبوك) و(يتويوب)".

* قتلوا زوجته واعتقلوه في بيروت 
يتابع "منهل عبد القادر" المولود عام 1989 والمنحدر  من مدينة "الضمير" بريف دمشق حديثه قائلا: "أتيت إلى لبنان عام2015، تعرضت أنا وزوجتي لحادث سلب وسرقة من قبل سائق تكسي الأجرة في العاصمة بيروت، وتم إطلاق النار علينا، زوجتي فارقت الحياة، وأنا أصبت.

ويضيف "تم اعتقالي بتهمة قتل زوجتي، وجرى انتزاع الأقوال مني تحت التعذيب، ورغم نفي السائق في أول جلسة قضائية علاقتي بالحادثة، إلا أنني لازلت معتقلا داخل سجن "رومية" بدون صدور أي حكم  بحقي رغم مرور أكثر من تسع سنوات على اعتقالي.

* قصائد معتقلة
عن تجربته الشعرية داخل السجن، وقصائده التي ولدت من رحم الزنزانة في سجن "رومية" يقول محدثنا: "السجن أبو الهموم، معجم العذاب وبوابه الغياب، أسوأ ابتكارات البشر، وأطول دروب السفر، السجن هو الرمال المتحركة التي تأخذك خارج الزمان والمكان، إنهم لا يرسمون السجون على الخريطه لأنها لا تشبه الكوكب، يخجلون منها لأنها عوراتهم التي يجب أن يستروها دائما، لا يحتملوا صورها، لأنها تذكر الظالم أنه ظالم. 

يردف منهل "أسوأ مافي السجن أنه يجمع أراذل الناس وأنقاهم في مكان واحد، السجون هي ثقوب الكون السوداء، وبؤر الحزن الكبرى، نوافير عظيمه من الدموع، وتماثيل عاريه للتخلف، في كل يوم يبنى فيه سجن جديد ترجع البشريه الف عام للوراء".

* رحلت جسدا وبقيت روحا
يقول "منهل" في نثرية يخاطب فيها زوجته المقتولة: "من بعدكِ صرتُ أشبه عوداً فقد صوته "، فراشة أضاعت جناحيها، قلما مكسوراً.. و مرآةً عمياء.. ، فقدتُ اشتياقي لأي شيئ إلا أنتِ .. أنتِ الوحيدة التي تختصر الألوان والعطور والأفكار والحواس..

قدري بعدك أن أبقى وحيداً، كل الطموح أو المجد أو الشهرة لن تنفعني شيئاً إذا لم تكوني معي، الكلمة التي لا تكملين نصفها تبقى مبتورة، البسمة التي لا تجاوبين صداها تبقى نصف حزن، الدمعة التي لاتمسحينها بكفك تبقى جرحاً لايبرأ.. منك تبدأ الذكريات وإليك تعود وأنا بعدك أوهن من طفل".

وفي قصيدة حملت عنوان" في مديح السجن" يقول:
"تعالي يا هموم السجن إني 
بدأت أحب أوجاعي وحزني
وفي أنت ياسجن المآسي
وما خيبت يوما فيك ظني
تجود علي بالهم المصفى
كأني فيك مولد..كأني
غريبا فيك يا بيروت أحيا
وراء السور ..عمري ضاع مني
أرمم بالكتابة ماتبقى
من الآمال في قلبي وذهني
أفر إلى القصائد من جحيمي
وأطفئ نار قهري ..بالتمني
وحيد ليس لي إلا حروفي
أشيدها وأهدمها وأبني
تعالي ياهموم السجن إني
بدأت أحب..أوجاعي وحزني
وزيديني من الأحزان كأسا
وغني لي حروف الآه..غني

* عين على "غزة"
لم تمنع الظروف القاسية التي يعيشها "منهل" بين جدران سجنه من التعبير عن حجم ألمه وحزنه وهو يرصد أخبار أهله في غزة، وهو يشاهد أطفالها ونساءها تحت الركام..
يقول "منهل" في قصيدته التي حملت اسم " يا أهل غزة"
"إفتح كتابك أيها التاريخ
وإكتب ما أقول
وامسح دموعك إن ليل الدمع
وقت الدمع..صار إلى أفول
وعيون غزة بين آلاف المدامع والمدافع
لم تزل بالنصر واثقة
ويأبى دمعها الغالي النزول
إن هذا الشعب منتصر
وحر..لايباد..ولايزول"

* توضيح مكتبه الصحفي
يقول مكتب "منهل" الصحفي: "قرابة التسع سنوات مرت والمظلوم ‎منهل عبد القادر مغيبٌ ومُلزَمٌ بالصمت خشيةً على مستقبل القضية النائمة، ولا يستطيع البوح سوى بالشعر والمجاز كناية عن حقيقة قصته المؤلمة".

ويضيف مكتبه الصحفي عبر حسابه في موقعي "فيسبوك و"X": "نحاول من خلال هذا الحساب رغم شح الموارد أن نبقي صوت إبننا ‎منهل عبد القادرحاضراً رغم الغياب، نحاول أن نذكّر أن هناك شاباً يتوقد عقلا و ذكاءً و موهبةً، وكان أمامه مستقبل عريض وأدوار كبيرة يتهيأ لها على مستويات كبرى في المشهد الإعلامي العربي والإسلامي، لكنه غُيِّب عن الساحة وتم اغتياله معنوياً بقضية مضحكة مبكية لا ناقة لهُ فيها ولاجمل، وتم ظلمه ألف مرة بقتل زوجته ثم سجنه بلا محاكمة ثم حرمانه من ابنته الوحيدة ثم تركه منسيا في أقبية السجون في بلاد يموت فيها من ليس عنده ظهر أو واسطة أو سند سياسي أو مالي".

يذكر أن الشاعر السوري "منهل عبد القادر" المعتقل داخل سجن "رومية" من عام 2015 حاصل على إجازة في الإعلام من كلية صنعاء، ودرس سنتين في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق، حيث اضطر للتوقف عن متابعة تحصيله العلمي فيها بسبب اندلاع الثورة السورية عام 2011، لديه بنت وحيدة. ويواظب على ممارسة نشاطاته الإعلامية والأدبية داخل السجن..في محاولة منه لإيصال صوت النزلاء، ونقل معاناتهم للرأي العام اللبناني والعربي.

زمان الوصل
(24)    هل أعجبتك المقالة (21)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي