هُمّش الحديث عن القرار الاتهامي للمحكمة الدولية طيلة الأسبوعين الماضيين. في هذا التهميش استراحة للقوى المعنية بهذا القرار، وتمرير لرمضان الذي اعتاده اللبنانيون، منذ خمس سنوات، شهراً هادئاً رغم كل ما يسبقه ويتبعه من حروب سياسية صغيرة.
يوافق الجميع على أن تغييب هذا الملف يعطي الجميع الوقت اللازم لدراسة الاقتراحات والعروض والتسويات التي من شأنها إبعاد الصراع الداخلي. ويتماشى استبعاد خوض النقاش في موضوع المحكمة أيضاً مع ما خرج عن القمة الثلاثية البيروتية التي اقتضت بأن «يأخذ» الملك السعودي، عبد الله بن عبد العزيز، الوقت اللازم لإيجاد مخرج للوضع اللبناني.
التطوّر الأبرز في هذا السياق هو أنّ الرئيس السوري بشار الأسد سيتستضيف خلال أيام الرئيس سعد الحريري إلى مأدبة إفطار. ومن المتوقع أن تنحصر الدعوة السورية بالحريري وبعض من حوله، وتردّد أن يكون مدير مكتبه، نادر الحريري، مشاركاً في الإفطار الرئاسي. ولا ينفي المطلعون على هذه العلاقة أن يتناول الرجلان خلال اللقاء ملف المحكمة الدولية والوضع على الساحة الداخلية، بما فيه التواصل بين تيار المستقبل وحزب الله، إضافة إلى الملف الحكومي.
ويبدو أنّ العلاقة بين سوريا والحريري باتت أكثر من ممتازة، وخصوصاً أن الأخير عبّر أكثر من مرة وفي أكثر من مجلس، عن ارتياحه لما يجري بينه وبين القيادة السورية. حتى إنّ أحد الظرفاء وصف وضع الحريري في سوريا بالقول: «بات رئيس الحكومة يتدلّل على الرئيس الأسد، إذ يطلب منه هذا الأمر ويسأله ذاك، طالباً تدخلّه في حل بعض الأمور».
فيما يشير عدد من المتريّثين المستقبليين إلى أنّ الحريري فهم العلاقة السعودية ـــــ السورية وبات ملمّاً بما هو مطلوب منه لتكريس التفاهم العربي. يضيف: «أيقن الحريري أيضاً أن سوريا هي الطرف الأكثر قدرة على حمايته السياسية وضمان استمراره في الحكم رجلاً قوياً وقادراً على تمثيل الجميع». فيبقى على الحريري أن «يرصّ» بعض المستقبليين «الثأريين» الذين لا يترجمون حالة الملك السعودي، بل «حالة السعوديين الآخرين».
وعلى صعيد الحركة السعودية، فحتى اليوم ينفي زوار الدول العربية، وخصوصاً الخليجية، تمكّن السعودية من التقدم خطوة إلى الأمام في ملف معالجة القرار الاتهامي للمحكمة. ولا يزال الفشل السعودي مستمراً رغم السعي الجدي في هذا الإطار، والذي يتم عبر سلسلة لقاءات يعقدها موفدو الملك إلى دول عربية وأوروبية، يشير العالمون بالحركة السعودية إلى أنّ الملك عبد الله لا يملك حتى الساعة أي عبارة يمكن أن يقدمها للرئيس السوري بشار الأسد بشأن التسوية التي وعد بها.
لكن في مجالس المسؤولين العرب، في الدول العربية والغرب، يبدو أنّ النقاش قد حُسم لناحية تأجيل القرار الاتهامي المقرر صدوره في أيلول.
والجديد البارز هو انطلاق الحديث عن استبدال القرار بتقرير يصدر عن لجنة التحقيق الدولية، يكون مماثلاً من حيث الشكل للتقارير الأحد عشر التي خرجت عن اللجنة خلال السنوات الخمس الماضية. لكن هذا المخرج الذي يحاول عدد من المسؤولين السعوديين التسويق له، ليس بالمخرج الفعلي لحلّ أزمة المحكمة الدولية، على اعتبار أنّ الأمر بمثابة تأجيل للاتهام. وهو ما لا يتناسب مع حزب الله الذي أبلغ الجميع، الحلفاء قبل الخصوم، أنه لن يرضى بأي حلّ مؤقت قد يعيد في أي وقت فتح الأبواب لهجوم المحكمة المسيّسة على الحزب.
إلا أنّ هذه الخطوة إذا ما تمّت، تؤكد تسييس المحكمة وأن المعنيين بها يستطيعون إدارتها كيفما كان لتلبية طموحاتهم ومشاريعهم السياسية.
اللافت هو أنّ نقاشات مسؤولين سعوديين قد بدأت تتطرق إلى «الخلل الذي يصيب الساحة اللبنانية، سيكون من نتائجه خسارة الفريق السعودي في بيروت، وعلى رأسه آل الحريري. وتتبلور تحليلات وقرائن ممثلي المملكة لتتخوّف من أن الخلل لن يوفّر أيضاً الساحة السنية وناسها، مع تطوّر لافت في العقل السعودي الذي بات يردّد أن القلق الأبرز سيكون من الأصولية السنية التي تجد في حلفاء المملكة أعداء وخصوماً لها.
ويشير عدد من زوار الدول العربية إلى أنّ مسؤولين سعوديين لم يخفوا أن الحديث عن القلق من وقوع توتّرات على الساحة اللبنانية بعد صدور القرار الاتهامي قد يكون بسبب بعض الحركات الإسلامية الأصولية.
يضاف في هذا الملف أنّ الأحاديث بين المسؤولين العرب تتناول وجود أكثر من مليون عراقي كلاجئين داخل الأراضي السورية، والتشديد على ضرورة الحذر من تطوّر أي حالة إسلامية عراقية يمكن تصديرها إلى أي بلد عربي آخر.
أما الأبرز فهو أنّ هذا القلق من النشاط الإسلامي الأصولي، نقله الرئيس سعد الحريري إلى القيادة السعودية، بعدما أثار الموضوع معه الرئيس السوري خلال أحد لقاءاتهما. فكان أن وضع الحريري الرياض في هذه الأجواء، وأخذت على محمل الجد.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية