في طفولتي كنت من المولعين بقصص المغامرات والمسلسلات الجاسوسية من (العميل 007) وحتى (رأفت الهجان) وحرصت كل الحرص على شراء بعض الكتب التي تبحث في الموضوع، وخصوصا كتاب (المخابرات والعالم) لسعيد الجزائري، ولا تزال تعلق في ذاكرتي فقرة تتحدث عن أن الأجهزة السرية والاستخبارتية، تقوم بجمع القسم الأكبر من معلوماتها مجانا عن طريق وسائل الإعلام في البلد المستهدف، وخصوصا الجرائد المحلية وإعلانات النعي والتهنئة والتي يكثر فيها النفاق والتفاخر بالأنساب والعلاقات العائلية وبقية الإخبار المحلية، وقرأت أيضا في فترة متقدمة من حياتي رواية (1984) أو( الأخ الأكبر) لجورج اورويل والتي كان يتنبأ من خلالها بمصير العالم الذي ستحكمه قوى كبيرة تتقاسم مساحته وسكانه ولا توفر أحلامهم وطموحاتهم بل تحولهم إلى مجرد أرقام في جمهوريات الأخ الأكبر الذي يراقب كل شيء ويعرف كل شيء، حيث كان ذلك الأخ يمثل نظريه الحكم الشمولي.
في مطلع هذا العام حذرت الحكومة الألمانية مستخدمي الانترنت من استعمال برنامج التصفح انترنت إكسبلورر ونصحتهم باستخدام برامج أخرى، من اجل سلامة المعلومات التي تتضمنها أجهزتهم. وصدر هذا التحذير عن المكتب الفدرالي لأمن المعلومات في ألمانيا، بعد أن اعترفت شركة مايكروسوفت مخترعة ومالكة انترنت إكسبلورر أن البرنامج شكل الحلقة الضعيفة خلال هجمات القرصنة الالكترونية الأخيرة التي تعرض لها موقع جوجل.
وقالت السلطات الألمانية قالت إنه على الرغم من اعتماد خيار أقصى درجات الأمن، فإكسبلورر لا يزال معرضا لاختراق، وقد سبق هذا التحذير تحذيرا آخر حذر فيه نفس المكتب الفيدرالي الألمان من استخدام برنامج تصفح الإنترنت الجديد جوجل كروم Chrome الذي تم إطلاقه مؤخرا؛ كون المتصفح يتيح الوصول إلى الكثير من المعلومات الشخصية المتعلقة بمستخدميه، إذ تشير شروط الاستخدام عند تثبيت البرنامج إلى أن لشركة جوجل الحق الحصري بتقديم المحتويات الخاصة بك أو نشرها وعرضها كما ورد في البند رقم 11 في اتفاقية الترخيص التي تظهر عند تثبيت البرنامج.
لن أبالغ إن قلت ان هناك جاسوسا يعيش بيننا وموجود في بيوتنا يقدم خدماته مجانا عبر أيدينا، وهذا الجاسوس هو الجهاز الحاسوب بأم عينه، حيث إن برمجياته التي تصول وتجول لها قدرة على سحب البيانات المحفوظة والتحكم بها والعبث بمحتوياتها وجمعها وتصديرها فورا الى (السيرفر) الحاسوب الأم في كاليفورنيا دون الإذن منا؟؟..
فكل ما تخطّه يداك على الشبكة، يمكن أن يبقى إلى الأبد فكل المواقع التي تزورها أو المواقع تشتري منها وأحاديثك السرية في غرف المحادثة والملفات التي جلبتها أو أرسلتها والصفحات التي اطلعت عليها وكل الرسائل الصادرة والواردة، بل كل ما تكتبه على لوحة المفاتيح يحتفظ به لحين الحاجة، فهناك من يسجل حركاتك لكنه بالتأكيد ليس أخوك الأكبر؟
إذن حروب التجسس انتقلت إلى ساحة جديدة ومستوى ارفع هي ساحة الانترنت. من جانبها أعلنت وزارة الشؤون الخارجية إلاسرائيلية عن إحداث شرطة جديدة سمتها شرطة الفكر لشن الحروب عن طريق الانترنت، وجاء في نبأ نشرته صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية أن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية اخترقت جهاز الكومبيوتر الشخصي لقرينة الرئيس السوري بشار الأسد لتكوين صورة عن زوجها . حيث إن الإسرائيليين استخدموا برنامجاً للتجسس يسمى «حصان طروادة» لتسجيل رسائلها المتبادلة بينها وبين زوجها؟
هل توقفنا لحظة وتساءلنا: كم من المعلومات التي نضعها في ذكره حواسيبنا ابتداء من الصور العائلية والبريد الكتروني، وما يتضمنه من رسائل ومذكرات شخصية أو خاصة.
أمريكا ترصد العالم، كلام عرفناه وحفظناه عبر أفلام جيمس بوند، فهي تتجسس على الصديق قبل العدو عبر عشرات الاجهزه السرية والعلانية، فوكالة المباحث الفيدرالية الامريكيه تستخدم نظام كومبيوتري يسمى carnivoreكارنيفور الذي يعني (آكل اللحوم) مصمم ومتوافق مع أنظمة الشركات مزودة خدمات الانترنت لجمع معلومات حول رسائل البريد الكتروني ورصد المعلومات الواردة من وإلى حساب بريدي معين أو رصد ما سبق عبر عنوان ip .
وأيضا عبر وكالة الأمن القومي NSA التي هي هيئة مستقلة مكلفة بالعمليات التجسسية وهي أغنى بكثير من سي آي إيه، إذ تستخدم حوالي 100 ألف شخص العالم وتقدر موازنتها بحوالي 16 مليار دولار والوكالة تراقب وتتجسس على 95 في المائة من الاتصالات العالمية وإدخالها في أجهزة الكمبيوتر التابعة للوكالة، وهذه المعلومات تشمل الاتصالات الهاتفية والفاكس والرسائل عبر البريد الالكتروني E-mail، ولكم أن تتخيلوا ما يتم إرساله عبر البريد الكتروني -المفروض انه محمي من الكل باستثناء الذين صنعوه- من بيانات وأسرار تجارية وصناعية وأرقام السرية لحسابات البنوك، بل الأرصدة السرية التي يطلع عليها الآخرون وتشمل تلك المعلومات إمكانية تحديد مكانك والعنوان عبر رقم الجهاز الشخصي IP) ) والذي يمكن المتجسس من متابعة وتحديد مكان وإرسال الإشارات والاستقبال وصولا لمشاهدة ما تشاهده أنت على شاشتك .
أعود الى الذين يقدمون المعلومات مجانا على جهل منهم وهم كثر، فيكفي ان تتصفح بعض مواقع الانترنت وخصوصا المواقع التي تراقب الأرض من السماء وتقدم لنا خرائط تفصيلية لحاراتنا وشوارعنا بل ما هو معلق على حبل الغسيل على سطح دارنا، فنجد ان المتصفحين لتلك المواقع يغردون مستخدمين اللغة الانجليزية والعربية، ويستفيضون بالشرح والتعليقات.
هل تصدقون ان أسماء السكان الثلاثية أو الرباعية في بعض العمارات أو الأحياء موجودة بتفصيل ممل، بل حتى نوع أعمالهم وألقابهم وأسماء الأولاد، وخصوصا البنات وألقابهن السرية موجودة بل توجد أسماء أصحاب الأراضي الفارغة والمزارع كلها موجودة باللغة الانجليزية والعربية على النت، بمعنى ان من يجلس في بوسطن يمكن ان يعرف قصصنا وتاريخنا السري دون ان يزورنا ويتكبد المشقة المادية والجسدية في الزيارة أو حتى مصاريف الترجمة، بل ما عادت الجاسوسية ذلك الأمر الصعب مع وجود كل هؤلاء المتطوعين وغيرهم، وفي ظل تزايد العرب المستخدمين الانترنت دوريا والذي يتجاوز 25 مليون عربي خلال العام الجاري، وفي ظل عدم وجود هيئات عربية تحمي وتراقب ما يرصده الآخرون عنا وتسهر لسلامة أمننا عبر منعها حواسيبنا من تسريب أسرارنا.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية