لخّص المدير العام لـ"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" عزمي بشارة مواصلة تهرّب رئيس الحكومة الإسرائيلية من الخطة التي تحدث عنها الرئيس الأميركي جو بايدن مطلع يونيو/حزيران الماضي، بالقول إن بايدن اعتقد أن إسرائيل لن تخذله لكنها فعلت ذلك.
وأعرب عن اعتقاده بأن الرئيس الأميركي يستطيع أن يضغط أكثر على إسرائيل لكنه لا يريد ذلك، كما استبعد أن يطرأ أي جديد جوهري في محادثات روما غداً الأحد (بين مسؤولين من قطر وأميركا ومصر وإسرائيل حول اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين وإسرائيليين). وكرر قناعته بأن لا بديل عن الوحدة الفلسطينية في إطار منظمة التحرير لمواجهة ما تتعرض له القضية الفلسطينية وما ينتظرها مستقبلاً، واستبعد في هذا السياق أن يؤدي إعلان بكين إلى وحدة فلسطينية حقيقية. وفي ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية الأميركية، رأى بشارة أن نتنياهو يفضّل المرشح الجمهوري دونالد ترامب لأنه يعرف أن الحزب الديمقراطي الأميركي تغيّر بالفعل، مشدداً على أنه بين المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس وترامب، هناك اختلاف حتى في ما يتعلق بالموضوع الفلسطيني وإن كانا "مرّ وأمرّ".
أما عن التصعيد على الجبهة الشمالية بين إسرائيل و"حزب الله"، فهو بحسب بشارة وارد قبل حادثة مجدل شمس وبعده، لكنه تمسك باستبعاده حصول حرب شاملة لأن الطرفين وجدا معادلة هي رفع قواعد الاشتباك بمعنى أن التصعيد يقابل بتصعيد. أما مع الحوثيين، فـ"من الصعب توقع كيف تتطور الأمور" وفق تعبيره.
محادثات روما
ورجح بشارة، في مقابلة مع تلفزيون العربي مساء السبت من مدينة لوسيل في دولة قطر، أن تكون هناك تفاصيل جديدة تُطرح في محادثات روما اليوم لكن من دون المس بالقاعدة التي أثبتتها التجربة، وهي أن نهج نتنياهو يقوم على المماطلة والتسويف إلى حين يرغم على وقف إطلاق النار لمدة قصيرة في المرحلة الأولى فقط من الاتفاق، لا في المراحل الثلاث، ويبقى معبر رفح تحت سيطرة إسرائيلية، ولا يتنازل عن الفيتو على إطلاق سراح 100 أسير فلسطيني، وأن يزيد عدد الرهائن الإسرائيليين الذين يطلق سراحهم كل أسبوع من ثلاثة إلى خمسة، وهذه هي شروطه الأربعة التي فرضها في 7 يوليو/تموز بعد 5 أسابيع من طرح بايدن ما قال إنها خطة إسرائيلية.
وذكّر بشارة بأن نتنياهو لم يوافق مرة واحدة على إعلان بايدن الذي برأيه اعتقد أن إسرائيل لن تخذله في حال أعلن بنفسه خطة مفصّلة لإنهاء الحرب، ولكنها خذلته بالفعل. خذلان ربما يفسر التسريبات الإسرائيلية التي تحدثت عن برودة من بايدن لدى استقبال نتنياهو يوم الخميس الماضي في البيت الأبيض، وإلحاحه على وقف إطلاق النار (كذلك هاريس تحدثت بشكل أوضح عن وقف الحرب). لكن بشارة شدد على أن بايدن يستطيع أن يضغط أكثر على نتنياهو "لكنه لا يريد أن يدخل التاريخ كمن أحدث شرخاً في العلاقات مع إسرائيل، وأركان إدارته أسوأ منه في هذا الموضوع".
وعما قد يُطرح في محادثات روما، أشار بشارة إلى أنه لن يتجاوز تفاصيل من نوع تقليل عدد الأسرى الفلسطينيين الذين يضع نتنياهو فيتو على الإفراج عنهم، وهي هوامش غير كافية بالنسبة للمقاومة على حد تعبير بشارة.
وذكّر المفكر العربي كيف أن الإسرائيليين وبعض المسؤولين العرب حاولوا أن يجعلوا الموضوع في ملعب الفلسطينيين منذ الإعلان الشهير لبايدن، وراحوا يضغطون على المقاومة الفلسطينية مع أنها وافقت عليها، بينما نتنياهو لم يقبل يوماً بها لأن هدفه أن يستمر في الحرب لتدمير غزة بأكبر قدر ممكن، وأن "يغيّر الوضع في غزة جذرياً"، كما أن لا خطة حقيقية لديه فيها شركاء عرب لليوم التالي على الحرب.
وعما يعطي نتنياهو فائض القوة الذي يُظهره، شدد بشارة على أنه بالنسبة إلى رئيس حكومة الاحتلال، ما يمكن أن يحصل قد حصل بالفعل، أي أن المحاكم الدولية والضغط الدولي والتظاهرات استُهلكت، لذلك يشعر بأن يده مطلقة لأن الدول العربية مثل مصر لم تتصرف بجدية، ولم تخير نتنياهو بين السلام وعدم وجود السلام، وهي لو فعلت ذلك "لكان تغير الأمر جذرياً" على حد تعبير مدير "المركز العربي".
وفي السياق، تابع بشارة أن لدى نتنياهو انطباع بأن الضغط الحقيقي على حماس يأتي من الشارع الفلسطيني في غزة لذلك يستهدف المجتمع الفلسطيني عن قصد. وبرأيه، فإنّ خطابه الذي وصفه بالمشين في الكونغرس، عن أنه لم يُقتل سوى مدني واحد في رفح، يختصر كل شيء لناحية كذبه وفائض القوة التي يشعر بها ويواصل حربه متسلحاً بها. وشدد بشارة كذلك على أن نتنياهو يراهن على خذلان بعض الأنظمة العربية للفلسطينيين بدليل أنه يتحدث عنهم أمام الكونغرس بوصفهم حلفائه العرب.
خطاب نتنياهو أمام الكونغرس
وعن الخطاب الرابع الذي ألقاه نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي الأسبوع الماضي، قال بشارة إن غياب النواب الديمقراطيين الـ112 المعارضين لنتنياهو عن مقاعدهم في القاعة وبقاء رشيدة طليب وحيدة هناك، زاد من الإيحاء بهذا "النجاح" لنتنياهو في مشهدية وصفها بشارة أنها كانت "محفلاً من الحماقة والسخافة لبرلمان أميركي جعله مشهد التصفيق والوقوف يشبه برلمانات عالم ثالث".
والأخطر بحسب قراءة المفكر العربي للخطاب أنه استعماري ــ ديني علني، فضلاً عن غروره وتعاليه وتدخله في الشؤون الأميركية بوصفه المعارضين لإسرائيل بأنهم عملاء لإيران ومعادين للسامية، أي "انتقال اللاسامية من معاداة اليهود إلى معاداة دولة اليهود". لكنه توقف عند وجود تغير كبير في الحزب الديمقراطي الأميركي وهو ما يجعل نتنياهو يفضّل فوز دونالد ترامب على كامالا هاريس في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
لهذا السبب كان خطاب نتنياهو وفق بشارة موجهاً للحزب الجمهوري، ولفت في هذا الإطار إلى أن محطة تلفزيونية محسوبة على الديمقراطيين مثل "سي أن أن" كانت معبأة ضد الخطاب وكشفت الكذب الذي اعتراه.
ومن أهم ما تنتظره الحكومة الإسرائيلية الحالية من فوز ترامب، لو حصل، أن يدعم ضم الكتل الاستيطانية في الضفة إلى إسرائيل وأن تبقى المستوطنات كما هي في الضفة وأن تسيطر إسرائيل على الطرقات التي توصل إلى المستوطنات.
الوحدة الفلسطينية وإعلان بكين
وفي تعليقه على إعلان بكين للمصالحة الفلسطينية، استبعد بشارة أن يشكل فرصة للوحدة الفلسطينية، رغم وصفه الإعلان بأنه ممتاز وفيه كل ما يجب أن يكون موجوداً من إعادة بناء منظمة التحرير، وقيادة موحدة وحكومة وفاق وطني، وهذا ما كانت القيادة الفلسطينية ترفضه ثم وافقت عليه أساساً لعدم إغضاب الصين، ثم تلميحاً لأميركا بأن إعادة تنشيط القيادة الفلسطينية مثلما ترغب تضغط واشنطن في سبيل حصوله، تعني، من ضمن ما تعنيه، مصالحة مع حماس والآخرين، وفق شرح بشارة. لكن الإعلان في نظره "مجرد بيان لا يؤدي إلى وحدة حقيقية بينما الوحدة مطلوبة الآن واليوم بحكومة وفاق وطني موافَق عليها من المقاومة ومن السلطة تكون لها مرجعية سياسية هي منظمة التحرير، وقادرة على إدارة غزة بشكل لا يترك أي حجة لبقاء الاحتلال الإسرائيلي في غزة".
ولفت بشارة إلى أن الطريقة الوحيدة لحصول ذلك، هي إعادة بناء منظمة التحرير "وهذا هدف المؤتمر الوطني الفلسطيني الذي نعمل عليه وننادي به"، والكلام لبشارة الذي يجزم بأن قيادة فلسطينية موحدة هي الوحيدة القادرة على منع تكرار أوسلو مشوهاً "لم نرَ منه إلا المآسي".
ماذا بقي من السلطة في الضفة؟
ورداً على سؤال حول ما الذي بقي من السلطة الفلسطينية في الضفة، عدّد بشارة الاختصاصات التي خسرتها، أي كل شيء تقريباً، بشكل لم يبقِ للسلطة "سوى بعض الأدوار البلدية".
وقال بشارة إن الوظائف الأمنية صارت إسرائيل تقوم بها مباشرة بينما لا تعتمد على السلطة إلا في أخذ معلومات عن الناس. وتابع: أصبح كل مواطن يتواصل مع الاحتلال للحصول على عمل من دون المرور بالسلطة، كذلك فإنّ توسيع الاستيطان والسماح للمستوطنين بالاعتداء على الناس من دون أن تدافع السلطة عنهم يبطل مفهوم السلطة وسبب وجودها نظرياً.
وأضاف بشارة أن من بين علامات انتهاء السلطة في الضفة أن إسرائيل تقوم بتغيير قواعد التعامل مع الأسرى الفلسطينيين في السجون الذين يتعرضون لما يجعل المعتقلات الإسرائيلية من بين أسوأ السجون في العالم، هذا فضلاً عن أن "السلطة بسلوكها وخطابها السيئين منذ السابع من أكتوبر تقوّض قواعدها وتضر ذاتها، بينما لو كانت منظمة التحرير موجودة فعلاً لكان الأمر مختلفاً بالكامل" بحسب تقدير بشارة.
السباق الرئاسي الأميركي
ورداً على سؤال حول انسحاب بايدن، أوضح بشارة أن الانطباعات في السياسة وزنها مثل الحقائق أحياناً، وشرح أنه نتج انطباع في المناظرة الشهيرة التي جمعت بايدن وترامب، أن الرئيس غير قادر على الاستمرار مع أن القدرة الذهنية لبايدن تبقى أعلى من قدرات ترامب وفق تعبير بشارة لجهة الجهل المطلق للرجل وشعبويته واستعراضه وعدم تمتعه بأي قدرة على بلورة أفكار. لكن هناك جانباً استعراضياً في المشهد يجعل المهم ليس ما تقوله بل أن تتكلم بقوة واستعراض وكأنك في مصارعة كلامية، والتعبير لبشارة الذي خلص إلى أن "الغبي والجاهل ينتصر على الأكثر حكمة" في ظل هذه الظروف، واصفاً في السياق نفسه مؤتمر الحزب الجمهوري بأنه "سيرك" بينما الوضع سيكون مختلفاً في مؤتمر الحزب الديمقراطي المقرر الشهر المقبل شيكاغو.
وعن أهلية هاريس في منافسة ترامب، رأى بشارة أن حظوظها بالفوز قائمة بالفعل مع أنه لو حصل تنافس بين مرشحي الحزب الديمقراطي قبل عام مثلاً، ربما لم تكن هاريس مرشحة الحزب، لكن قصر الفترة التي تفصلنا عن مؤعد الانتخابات جعلها تنال الدعم الحزبي سريعاً، موضحاً أن لديها نقاط قوة عديدة، مثل تفضيلها من قبل النساء الشباب والملوّنين، مع أن لديها مشكلة لن تستطيع حلها بلا مساعدة بايدن، وهي العمال البيض وهم العامل الحاسم في الولايات المتأرجحة الخمسة.
بين ترامب وهاريس... هناك فرق
وفي جوابه عن الفارق ما بين هاريس وترامب في ما يتعلق بقضايا منطقة الشرق الأوسط، والمسألة الفلسطينية خصوصاً، جزم بشارة بأن هناك فرق فعلاً بينهما وإن كانا كالمرّ والأمرّ. وفي معرض جوابه، ذكّر سريعاً بمدى الأضرار التي تسبب بها ترامب خلال ولايته الرئاسية للقضية الفلسطينية، لنواحي ما يسمى "صفقة القرن" أو خطة تصفية القضية الفلسطينية والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل... واستدرك بشارة بأن "لدينا مشكلة كعرب وهي أننا ننظر دائماً إلى العامل الخارجي لأنّ ليس عندنا مشاريع دول حقيقية"، ليوضح بأن "أميركا لن تكون مع طرف هو ليس مع نفسه".
وشرح فكرته بأن هناك دولاً عربية تتقبل الإملاءات الأميركية كما هي ولا تحاول أن تكون حليفاً لا تابعاً، لهذه الأسباب ونظراً للوضع الفلسطيني الداخلي، هناك فرق بين ترامب وهاريس على ضوء ما فعله ترامب خلال ولايته، وأنه حاول القول للعالم إنه بالإمكان تهميش فلسطين وإنجاز التطبيع العربي ــ الإسرائيلي بمعزل عن حل القضية الفلسطينية. وختم في هذا الإطار قائلاً إنه "إن لم يتوحد الشعب الفلسطيني ويُظهر أن التطبيع بلا حل القضية الفلسطينية مستحيل، فإن المخطط سيمر".
عن "العربي الجديد" - مختارات من الصحف
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية