أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الكتابة القصصية للأطفال ... محمد عبده العباسي

عالم الكتابة القصصية للطفل عالم سخى يتسم بالثراء والخصب وإثارة الخيال بسبب وفرة الأرض المهيأة لزرع القيم النبيلة والسلوك التربوى السليم .
لذا اهتمت أقلام كثيرة بمسالة الكتابة القصصية للطفل وتقديم ابداعها بأسلوب يتفق وطبيعة هذه المرحلة المبكرة ومزجها بعناصر التشويق .
فالكتابة لهذا الكائن الجميل هى فن من أهم الفنون الإبداعية التى تحتاج لخصائص ومقومات لابد وأن تتوافر فى كاتب قصص الأطفال ، حتى يكون بذلك خير مساعد للطفل المتلقى الذى هو فى أمس الحاجة لبناء الذوق وتنمية الحس وحسن التكوين الأدبى .
ويجب على كاتب قصص الأطفال أن يمتلك الموهبة الواعية التى تساعد على توظيف خيال الطفل وتنمية قدرته الإبداعية والأدبية .
ومن هنا نؤكد أن الكتابة للطفل تحتاج من الكاتب إلى بذل الكثير من الجهد والبحث ، فالمبدع الذى يمتلك شخصية متزنة مثلاً يستطيع أن يقدم عمله بشكل جيد ، فبقدر احتياج الصغير إلى حديث من يكبره ، فإن الكبار أيضاً فى حاجة إلى أن يتحدثوا إليه من الصغار ، كما أنهم ويحتاجون أيضاً إلى من يحسنون الإصغاء إليهم.
ومرحلة الطفولة من أهم مراحل البناء فى عمر الإنسان ففيها تختلف ظروف التكوين من بيئة إلى أخرى ، وتتنوع المعارف ، وتختلف الظروف ، فمن المعروف أن هذه المرحلة تبدأ تحديداً مع ميلاد الطفل وتستمر معه حتى سن المراهقة .
وتلك السنوات من عمر الطفل يستطيع أن يستقبل كل المؤثرات الخارجية التى تحيط به أكثر من غيره ويستطيع أيضاً أن يتفاعل مع من حوله بشكل جيد ، فهذه المرحلة هى مرحلة التأسيس فى عمر الطفل .
ومن هنا نستطيع القول بأن المربى أو القائم على شئون التربية يقع عليه أكبرالعبء فى توجيه سلوك الطفل وتعليمه وتعريفه بالقيم والمبادئ التى يشب عليها لينمو فى ظلالها إنساناً سوياً فالطفل فى هذه المرحلة يكون يكون بمثابة الخامة الطرية سهلة التشكيل وتنمو بداخلها كل عوامل التكوين بدءاً من هذه المرحلة وطوال سنوات عمره ويظل متأثراً بكل ما اكتسبه فى سنوات العمر الأولى.
هنا يجب على كاتب الأطفال أن يكون متصفاً بصفات تميزه عن سائر الكتاب وحتى عن بقية الناس ، فكاتب قصص الأطفال مهما سعى لإعطاء صورة جادة عن نفسه من خلال مظهره فهو شخص لا تكاد أن تغادره رائحة من روائح الطفولة ذاتها وتظل كالعطر تفوح منه ، ويمكن ملاحظة ذلك فى أثناء تعرضه لموقف ما فتجده وعلى الفور يتصرف بتلقائية شديدة وبطريقة عفوية كأنك أمام طفل حقيقى ولكنه كبير فى هذه المرة .
وكاتب قصص الأطفال الذى يجد نجاحاً وانتشاراً وقبولاً لدى شرائح كبيرة من الأطفال تجده شخصاً لازال محتفظاً بطفولته فى أسلوب فطرى بل وتميل نفسه إلى هذا العالم الجميل أكثر من ميلها إلى أى عالم آخر، لأن هذا الكاتب بتمكنه بشكل جيد هو شخص تتجلى فى شخصيته بعض أبعاد وزوايا الطفولة ولا ننسى أن هناك ممن كتبوا للطفل يشعر الواحد منهم بأنه طفل يرتدى ملابس الكبار ، على الرغم من أنه لا يمارس هذه الطفولة مع الآخرين فإننا نجده يمارس هذه الطفولة عند الكتابة وحتى مع نفسه لأنه يتمثل هذه الطفولة على قدر ما هى جزء ثابت فى بنيته السيكولوجية يعيش وقائعها مثله مثل كل الأطفال .
فعلى سبيل المثال نجد أن هذا الكاتب يميل كثيراً إلى محادثة الأطفال ومناقشتهم والتحاور معهم فى عدة أمور تهمهم من قريب أو من بعيد ويمكن القول أيضاً بأنه ممن يمتلكون أذناً ثالثة وعيناً ثالثة أيضاً يسمع ويرى فى الوقت نفسه ما لا يراه الآخرون وهو فى الوقت ذاته يصبح ممن حالفهم الحظ والنجاح فى عقد علاقات متينة مع الأطفال.
وعلى قدر مايشعر به الكاتب من ألفة وارتياح تجد هذا الشعور تبادلياً ، وتجد ميل الطفل نحو الشخص الكبير يفوق بحال ميل الكبير إلى عالم الأطفال ، لأن الطفل فى حاجة دائمة لمن يستوعب تصرفاته خاصة من الكبار دون أن يقلل من قيمتها سواء بالقول أو بالفعل.
فالطفل فى مراحل عمره الأولى يرى كل ماحوله فى الوجود عذباً وجميلاً ، لذا تجده فى حالة إستياء ونفور إذا قوبل أى طلب له بالرفض ولم يجد من يستجيب لطلباته أو رغباته التى يرى من وجهة نظره أنها كالأوامر واجبة التنفيذ.
والطفل فى هذه الحالة جاد تماماً فربما يبكى إلى حد الإغماء إذا لم يستجب أحد لطلباته وقد تجده يستغرق فى الضحك عند مداعبته لدميته .
والطفل فى حضرة الكبير يجد متنفساً مع من يستوعبه فتجده يتحدث وكأنه يتحدث مع الكبير حديث طفل لطفل يكبره فى الحجم ويرى فيه طفولة متجلية فيما طلبه وحين يرى استجابة تراه يمزح معه بشكل تلقائى ويتصرف كما لو أن الكبير يماثله فى العمر.
وعموماً فإن كاتب القصص للأطفال يحتاج لتنمية موهبته إلى أن يقرأ بإستمرار ويتدبر ويتأمل مايكتبه الصغار من أفكار وأن يكون ممن يتمتعون بذائقة فنية عالية تمكنه من النظر فى رسومهم ومتابعة مواطن الجمال فيها حتى يمكنه أن يستخلص من عالمهم هذا أشياء لم يستطع استخلاصها من قبل بشكل جيد .
كما أن عليه أن يكون قارئاً جيداً ليس للأدب الذى يكتبه للطفل فقط بل عليه أن يكون بارعاً وبقوة فى ملاحظة النص الذى يتلقاه لينظر فيه بإهتمام .
ويمكن الإستفادة من قراءة القصص التى يكتبها الأطفال للمقارنة بينها وبين مايكتبه الكبار ومنها يمكن لكاتب قصص الأطفال أن يستمد منها وسيلة للتخاطب مع مخيلة الطفل فى علاقة تكاملية ، فما يكتبه الطفل له أهمية كبرى بما يتوفر فيها من تلقائية تعد امتيازاً يخص الطفل قد لا يتوافر مع كاتب قصص الأطفال نفسه.
فالتلقائية عند الطفل تتميز بدرجة عالية من التصديق أكثر من غيره .
وكاتب قصص الأطفال يجب أن يثق فى القصص التى يكتبها الطفل ويسعى لقراءتها بمزيد من التدبر والتأمل والتأويل لأنها كتابة منبثقة من عالم الطفولة إلى عالم الكبار.
والطفل عامة متلقٍ بارع يمكنه اكتشاف أن القصص الموجهة إليه بشكل طبيعى أو انها تتخذ طابع التصنع .
وكاتب القصة للأطفال يشعر كلما تقدم فى الكتابة للطفل بأنه تعرف على تلك الفئة بشكل أكثر وخاصة إذا كان قد قارب على سن الشيخوخة فهى تشبه مرحلة العودة للطفولة من حيث اشتعال المخيلة .
أما المراة عندما تقدم إلى الكتابة للطفل فإن النجاح يحالفها أكثر من الرجل ، لأن المرأة بطبيعتها تعيش مع الطفل فترة أطول وتتحاور معه أكثر فهى فى الأصل أم حملته جنيناً وأرضعته ونام على صدرها وهى تغنى له أو تحكى له ، وقد تعاملت معه بذلك أكثر ، لذا فهى قادرة على استيعابه أكثر وتحمله فى الوقت نفسه ، فى الوقت الذى يصيب الرجل التأفف والضجر بسرعة ، ومن هنا يتضح لنا أن اتجاهها للكتابة للطفل يكون أكثر عمقاً من الرجل .
وعلى المتعامل مع الطفل اللجوء إلى بعض الخيال الخصب حتى يستطيع التواصل معه ، وأن يشطح به هذا الخيال إلى آفاق واسعة بقصد اكتشاف مناطق سحرية ويصبح علي الكاتب العمل على توظيف هذا الخيال بشكل إيجابى أكثر من الأبوين ، لأت هذا التواصل يشكل جسراً ممتداً بين عالمين ويفترض استخدامه بشكل جيد لإستمرار التواصل بينهما .
إن قصص ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة وعلاء الدين والمصباح السحرى وسندريلا وأليس فى بلاد العجائب وغيرها من القصص تقدم المتعة والتسلية للطفل ، كما توسع مداركه وهى تداعب خياله وتحضه على استخدام الخيال من جهة وبين التفاعل معه من جهة أخرى ، فالقصة التى تخلو من عناصر التشويق والخيال لا تترك أثراً فى نفس الطفل.
إن القصة تامكتوبة للطفل هى التى تجعله يضحك تارة ويحزن تارة ويتأمل ويتخيل تارة ثالثة وبعد أن يفرغ من قراءتها يجد نفسه مستمتعاً بما تركته فى أعماقه من آثر طيب وأفكار رائعة وأحداث ممتعة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بورسعيد
مصر

(77)    هل أعجبتك المقالة (170)

فادي هباش

2019-06-18

قصة أطفل.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي