يلاحظ المراقب للاحداث في الفترة الاخيرة تصعيدا للعنف المستعمل من قبل الحكومة الاسرائيلية, على جميع انواعه, في تعاملها مع المواطنين العرب, ويلاحظ ايضا ان حكومة اسرائيل تصعد عنفها هذا بعد عدة حوادث اتسمت بنفس المستوى من العنف, والامثلة على ذلك تكاد لا تعد ولا تحصى.
وبما ان سياسة الحكومة الاسرائيلية تهدف لمنع القرى والبلدات العربية من التوسع والتمدد على الرغم من التكاثر الطبيعي وذلك منعا لاستغلال الاراضي التي تخطط لمصادرتها, قامت الحكومة بتحديد مسطح البناء واخذت بتغريم المواطنين عن طريق المحاكم بغرامات مالية باهظة, رفعت بعدها سقف العنف في التعامل مع المواطنين العرب وبدأت باتباع سياسة هدم البيوت بحجة البناء غير المرخص وهي الجهة المصدرة للتراخيص. ففي حين تبلغ نسبة البناء غير المرخص في الوسط اليهودي ال %45 من مجمل البناء غير المرخص الا ان هدم المنازل غير المرخصه يطال الوسط العربي دون الوسط اليهودي.
بعد ذلك جاءت الخطوة التصعيدية الاخيرة للحكومة الاسرائيلية, فبعد سنوات من هدم للبيوت بشكل فردي قامت بهدم ومسح قرية العراقيب بأكملها, فهجرت سكانها ومنعتهم باوامر من المحكمة من العودة الى الارض التي كانت تقوم عليها قريتهم.
اما اخطر ما في الامر ومن خلال هذه الوتيرة التصاعدية فان ايدي الحكومة الاسرائيلية في طريقها لمرحلة جديدة قادمة من العنف واستخدام القوة ضد السكان العرب وفق مخطط مبرمج ومبيت, على ما يبدو تطال فيها القرى والبلدات المعترف بها فتنسف بيوتها وتلقي بساكنيها الى ما وراء النهر, على مرأى ومسمع العالم المتفرج الصامت كما هو عليه الحال بعد هدم ومسح العراقيب.
لم يتوقف الامر عند هذا الحد وتعدى العنف مناطق النقب والمثلث ليطال مدينة القدس, وعما يحدث للمدينة المقدسة وما هو مبيت لها من مخططات وبرامج تستهدفها فحدث ولا حرج.
ليس من الصعب تحديد بدايات الهجمة على مدينة القدس, فعمر هذه الهجمة كعمر الاحتلال يهدف من وراءها تفريغ المدينة من سكانها, مصادرة اراضيها وهدم منازلها من اجل تغيير معالمها اضافة للهجمة على المقدسات الاسلامية والمسيحية على حد سواء بهدف هدمها وازالتها عن الوجود.
لقد كانت البداية بهدم باب حارة المغاربة وحارة الشرف بالكامل واقامة الحي اليهودي على انقاضهما وتم تشريد ما يقارب 20 الف مقدسي الى مخيمات شعفاط ومناطق اخرى.
تصاعدت عمليات هدم البيوت وتهجير اهلها من البلدة القديمة مرورا بسلوان فالعيسوية وبيت حنينا, جبل المكبر, وادي الجوز وصولا الى الشيخ جراح حيث قامت خلال الفترة ما بين 2003 - 1994 بهدم 349 منزلا, اما خلال العام 2004 ومع اشتداد الهجمة " لتنظيف " المدينة هدمت 154 بناية.
اما على صعيد التطهير العرقي فقد قامت الحكومة الاسرائيلية بتنفيذ سياسة نزع الاقامة عن سكان المدينة وطردهم منها بعد ان قامت بسحب هوياتهم, ووفق احصائية اعدها مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فان عدد المواطنين المقدسيين الذين فقدوا حق الاقامة منذ العام 1967 وحتى منتصف حزيران 2010 وصل الى ما مجموعه 14371 عائلة يصل عدد افرادها مجتمعة نحو 86226 مواطنا.
لم تقف الحكومة الاسرائيلية عند هذا الحد, وقامت مؤخرا بهجمة جديدة لم يكن الهدف منها لا الاحياء ولا المنازل بل كان الهجوم في هذه المرة على الاموات والمقابر, فقامت باقتلاع الاموات من قبورهم ونثرت الجرافات عظامهم وجماجمهم في عملية تجريف بشعة, يندى لها جبين الانسانية, لمقبرة " مأمن الله " وسط سكوت البشرية عن هكذا جريمة.
تعد هذه المقبرة من اقدم مقابر القدس عهدا, واوسعها حجما واكثرها شهرة ويذكر ان المقبرة تأوي رفات اكثر من 70 الف شخص, الا انها لم تكن مثواهم الاخير.
ان هذه الهجمة العنيفة للحكومة الاسرائيلية على كل ما هو غير يهودي, من هدم للبيوت والقرى في النقب والجليل والقدس وتطهيرعرقي للاحياء واقتلاع الاموات, انما تاتي ضمن خطة لتنظيف البلاد من كل ما هو عربي من اجل اقامة الدولة اليهودية.
لقد ثبت عبر التاريخ الطويل للانسانية جمعاء بان اغبى الحكومات على الاطلاق كانت حكومات الاحتلال على اختلاف اشكالها كونها تفكر بعضلاتها لا بعقلها, وقد زالت جميعها وزال معها الاحتلال, ذلك كون ايمان الشعب المحتل بصدق قضيته اقوى من قوة الاحتلال,
وباستعراض سريع لذلك التاريخ, بداية من الاحتلال الروماني الذي زال وحتى الاحتلال الامريكي للعراق وافغانستان الذي في طريقه للزوال وما بينهما فالنتيجة هي واحدة.
واذ اسشهد بقول المعري وهي من اروع الابيات في الشعر العربي :
صـاح هـذي قبورنا تملا الرحب فايـن القبـور من عهـد عـاد
خـفـف الوطء مــا اظــن اديــــم الارض الا من هذه الاجساد
فما لا يفهمه هذا الاحتلال هو ان عمليات هدم البيوت والقرى باكملها وطرد سكانها واخراجهم منها لن تحل له مشكلته لانه وان استطاع ذلك فان مشكلته باقية كون اديم هذه الارض من اجسادنا واجساد اباء اباء ابائنا, فيتوحب عليه تغيير هذا التراب كله ان هو اراد العيش فوقه او ان يرحل عنه.
اما هذه الهجمة الشرسة والتي من المتوقع ان تزداد حدة وشراسة في القريب فهي لن تنجح في تحقيق اهدافها, وان نجحت في نبش قبور مقبرة " مأمن الله ", ذلك كون الله مأمننا.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية