على طاولة صغيرة في المركز الثقافي الملكي التقينا ثلاثة بين عشرات، الاستاذ الكبير خالد محادين، والاستاذة ليما نبيل، والتلميذ كاتب هذه السطور.. الاستاذة ليما تقف امامي حاملة 5 نسخ من كتاب الاستاذ خالد الجديد (مشان الله يا عبد الله)، فيما يجلس هو خلف الطاولة ليوقع لمعجبيه وقرائه النسخ..
(والله حاسّ حالي بوقع كمبيالات).. قال محادين ضاحكا.. (كان لازم سميته صالح للنشر) علّقت نبيل، فأجاب من وراء الطاولة.. (أي هو ظل إشي صالح؟!).. (ظل صالح القلاب يا استاذنا) قلت مازحا في غمزة الى الدعوى التي رفعها الاستاذ صالح القلاب ضد محادين.. (أي والله انك صادق) وقهقه فيما هو يوقع نسختي من الكتاب
مرتان في عام واحد وقف الاستاذ خالد محادين بين يدي القضاء العادل مُتهما بالحرية والدفاع عن شرف الكلمة والقلم وقبلهما الدفاع عن الوطن وابنائه، وكان من ثمار تلك الوقفات حكم مؤيد مظفر بالبراءة ، كان خصمه فيه مجلس النواب الموقر (بجلالة قدره) ما شكل دافعا معنويا لكل صحفي وكاتب اردني لأن يعرف ان القلم في النهاية يهزم الهراوة، وأن الحبر شقيق الدم ومثيله في اثره وقوته، ومنها ايضا ميلاد كتاب الاستاذ خالد الجديد (مشان الله يا عبد الله) الذي جاء مُعزّزا بالحكم سابق الذكر، وكما سمعت فإن من ثمرات هذه الوقفات ايضا التعجيل في اصدار قانون الجرائم الالكترونية الذي كنت قد حذرت منه في مقال سابق قبل صدوره بشهور.
وهذا القانون لمن يقرأُه بحسن نية، او بـ(جهل بسوء نية بعض الحكومات)، يظن انه قانون عادي وان مواده السبع عشرة لا تحمل دواعي هذه الحملة التي تقودها المواقع الالكترونية ضده، لكن من يتمعن في المواد الخمسة الاخيرة لابد ان يضع يده على قلبه خوفا وهلعا، ولا اقصد هنا المواقع الالكترونية ومشغليها فحسب، بل كل اردني ومقيم يستخدم الانترنت والشبكات الالكترونية داخل الاردن، فالقانون هو قانون عقوبات بحت جديد وخاص بكل ما هو الكتروني، والانكى من هذا ان القارئ للتعريفات الوارده فيه سيكتشف انه لا يعاقب على الجرائم المرتكبة عبر الانترنت فقط بل ايضا يشمل الافعال المرتكبة عبر الشبكات الخاصة والداخلية، فأي جهازي كمبيوتر او اكثر متصلة تشكل بحسب القانون (شبكة معلومات) تشملها نصوص القانون، وكذلك حال اجهزة الموبايل والبلاك بيري وما شابهها، ما يجعل حتى بيوت الاردنيين وغرف نومهم مهددة من يد الحكومة الطولى، التي تعرف كيف تترك الاسواق حرة والحريات مقيدة، وتحاسب المواطن اذا تنفس وتنسى الحوت والفاسد اذا بلع ولهط!!
هذا القانون الذي يعطي لأجهزة الأمن الحق في أن تقتحم اي مؤسسة ومكان بلا إذن من النائب العام، ويعطيها الحق بمصادرة اي اجهزة ومواد وبرامج وأقراص، يجب ان يثير هلع واحتجاج اي اردني وكل اردني لانه يجعل من النكتة المتبادلة بين زوجين او التعليق بين صديقين في ايميل خاص، او حتى رسالة ضمن نظام مؤسسي مغلق غير مفتوح على شبكة الانترنت، جريمة حقيقية مكتملة الاركان يعاقب فاعلها في ابسط الاحوال بالغرامة وتصل العقوبات الى الأشغال الشاقة، وهي مرشحة للتضاعف في حال التكرار.
هذا القانون ليس قيدا على المواقع أبدا بل هو كمامة على فم كل اردني، ورسن وضعته الحكومة في رقابنا لتجرنا كالدواب الطيّعة بعيدا عن آخر منافذ الحرية التي يبدو انها تقلق الحكومات اكثر وأكثر... ونحن هنا لا ندافع عن التجاوز، ولا نجيز الشتم والتعريض بالناس، لكن رد الفعل لا يجوز بأي صورة من الصور ان يكون بهذه الفداحة.
لذا نجد انفسنا مضطرين مرة اخرى للقول إن الحكومات هي من خلقت هذا الوحش الذي يسمونه المواقع المتجاوزة، وهم من يجب ان يحجّموه لكن دون الاساءة الشاملة، فكما هو الحال مع الصحافة الاسبوعية، فإن التغاضي وأحيانا الدعم الحكومي للصحف الصفراء هو ما جعلها تستقوي في النهاية حتى على أربابها من الرسميين الذين رعوها وقووها، وايضا الدعم الرسمي والسكوت على بعض المواقع المتجاوزة من اجل ان تستخدمها الحكومة عندما تحتاج كعصا الكترونية ترهب بها خصومها، هو ما جعلها تتجاوز حتى تحولت الى ردّاحة الكترونية لم ينج منها حتى سادتها.
والجواب كعادة الحكومة هو بالتعميم في العقوبة، والتعمية عن المسيء، واخذ الصالح بجريرة الطالح... وخلي الطابق مستور.
لا اريد ان أشطح أكثر من ذلك، فهذا المقال اصلا كتب احتفالا بكتاب (مشان الله يا عبد الله) الذي هو الشاهد الحي على ان الكاتب الأرنب (كما يسميه محادين) يبقى ارنبا وإن أرضعته حليب السباع وأريته بأم عينه ان القلم يهزم الهراوة وان هناك في النهاية قضاء يحمي الجميع. وأن الكاتب الأسد يبقى أسدا وإن جرجرته في المحاكم رغم الكبر والمرض ورقة الجسد، ولن تفلح كل الاسواط والعيون الحمراء والتجويع والترويع في ان تمسخه ارنبا، وهو شاهد أيضا على أن الشباب والاقتناع بأن الزمن يتغير ومعه تتغير الاحوال والافكار والوسائل ليس له علاقة بشباب العمر والجسد بل هو شباب الروح والعقل والفكر، وهو شاهد ايضا ان الدول النامية ليست نامية لتراجع شعوبها بل لتجمد حكوماتها، والاهم من هذا كله انه شاهد على ان القلم النظيف يجد جزاءه عند الناس كما نرجو ان يجد جزاءه عند الله.
أستاذنا خالد محادين مبارك جهدك، ومبارك كتابك، ومبارك عمرك الحافل بالعطاء والانجاز والنظافة،،، ولن أَمَلّ من ان ادعوك مجددا كما ادعوك دوما ان يكون كتابك القادم هو مذكراتك التي لا بد سيكون فيها الكثير من خلاصة التجربة والوعي والحكمة التي يستقي منها كثير منا معشر الكتاب الشباب الذين نرجو الا نكون أرانبا....
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية