(اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان), ها قد مضى شعبان، وبلغنا رمضان، الناس يتحدثون عن كونه شهرًا طويلاً وشاقاً نتيجة ظروف مجيئه صيفاً هذا العام، فالنهار طويل, والحرارة والأسعار في ارتفاع, و(عجقة) السير الخانقة بدأت تطل برأسها القبيح في كل شارع. فهنيئا للعالم الإسلامي دخول شهر العتق من النار رمضان المبارك. جميله جدا الصور الواقعية والعفوية التي نشهدها في رمضان، وإن عكرها بعضهم ببعض التصرفات، لكن رمضان يبقى مدرسة وجامعة، أضافت لبعضنا الشيء الكثير، وبعضنا مر عليه رمضان دون أن يراه، فأحب أن أعرض بعض الصور الرمضانية التي أتمنى من الله أن تبقى بعد رمضان.
جميل أن يوحد رمضان المعظم مشاعر وسلوكيات مسلمي الأرض، والأجمل ألا يختلف المسلمون مع بعضهم على رؤية الهلال، فهلال الله في سمائه واحد كي يكون عيدنا وفرحنا واحدا, رغما ذلك هناك من له هلال وعيد يختلف عما في كبد السماء، فلم لا يكون لنا مرجعية افتراضية لرصد الأهلة؟.
جميلة صورة مساجدنا في رمضان وقد اكتظت بالمصلين وحلقات الذكر، صوت القرآن العظيم تسمعه أينما وليت وجهك، فتغار المقاهي والفنادق والمسارح، فتكثر عروضها، وتحرق أسعارها, والأجمل أن يستجم المسلم بهذا الشهر بشكل مغاير، فيكف عن الذهاب إلى المقاهي أو السينما والمسارح ووسائل الترفيه الأخرى، وأن يكرس ليله ونهاره للعمل والعبادة.
جميلة صورة الإحسان في رمضان وقد شاع ذاك السلوك النقي بين الناس كأنة فريضة يومية، وكثرت أبواب التصدق بين الخلق، فتشعر أنك في بورصة يتهافت الكل على شراء أسهمها، فرمضان شهر تتضاعف فيه الحسنات, فحبذا لو استمرت بذلك البورصة والبوصلة في العمل بعد عيد الفطر.
جميلة تلك الابتسامة التي تعلو جبين المحتاجين فرحاً بأجواء هذا الشهر العزيز؛ لأنه يفرج عنهم، ويغير من أجوائهم البائسة بقية أشهر السنة، فوجبات الطعام الطيب في كل اتجاه تولي وجهك إليه, والأجمل أن يستمر ميسورو الحال في تفقد فقرائهم ومساعدتهم بعد رحيل رمضان الكريم.
جميلة صورة رمضان بلا عصبية، خصوصا عند مدمني القهوة والدخان، وأقصد السائقين (سائقي النقل العام) في فترة ما بعد الظهر، الذين يستشيطون غضبا لمجرد أي خطأ بسيط، والأجمل أن نرى صورة الابتسامة كل صباح على وجوه الناس في هذا المجتمع الطيب تكذيبا للصورة النمطية التي تصفنا بالمجتمع الغاضب والمكشر وعاقد الحاجبين صيفا وشتاء.
جميلة صورة البرامج التلفزيونية الدينية والتاريخية، أو تلك التي تتحدث عما مضى من تاريخنا.. والأجمل أن يتوخى الدقة فيما يصور ويكتب، بعيدا عن المغالاة وعرض الجسد، وحسابات الربح والخسارة، فالتاريخ هو المستقبل القادم.
جميلة صورة المسلم وقد انعتق من روتين حياته اليومي لروتين مغاير يجعله أكثر نضارة وتدينا وروحية، والأجمل أن يدفعه ذلك إلى زيادة إنتاجية عمله بصورة أفضل، وحيوية أكثر، مبتعدا عن الخمول والكسل والنوم ومتابعة التهافت الدرامي على شاشة التلفاز..
جميل أن يحترم المسلم مشاعر الآخرين، والأجمل أن يحترم الآخرون حرمة رمضان، فلا يجهر البعض منهم بالإفطار أو السلوكيات الشاذة.. فقد يحاكمه قانون البشر، ليس بسبب نص ديني، بل بتهمة "خدش الحياء العام".
جميلة هي مساجدنا في رمضان وقد تحولت إلى دور علم ودرس، والأجمل ألا يشطح الخيال ببعض الوعاظ والخطباء فيعتقد بعضهم أنهم أكثر إيمانا من بعض الصحابة.. وأكثر فمها للدين من بعض التابعين.. فخير الأمور أوسطها، وما خُيِّرَ الرسول بين أمرين إلا اختار أيسرهما على العباد.
جميل أن يستضيف المسلم ويستضاف على موائد الإفطار في الشهر الفضيل في غير إسراف أو تبذير، والأجمل ألا يجهد المسلم معدته بالتخمة فيما لا يسكن في بطون بعض جيرانه سوى قرقرة الجوع وبحيرات من الماء.
كثيرة هي الصور الرمضانية الجميلة، خلاصتها.. جميل أن يعي الإنسان معنى شهر فتحت فيه أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين.. شهر كله خير وبركة وثواب.. فما أجمل أن يعي المسلم معنى أن يكون سمحا متسامحا صابرا في رمضان وفي غير رمضان!
ختاماً: (اللهم سلمني لرمضان وسلم لي رمضان وتسلمه مني متقبلا).
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية