يحتل الجانب الدعائي حيزا هاما في النشاط الصهيوني الإعلامي الموجه من خلال أجهزة ووسائل الإعلام الإسرائيلية: يقول الحاخام يريتسورن في اجتماع سري نظمه اليهود في عام 1869م في سويسرا : «إذا كان الذهب هو القوة الأولى في العالم، فإن الصحافة هي القوة الثانية. ولكنها لا تعمل من غير الأولى وعلينا بواسطة الذهب أن نستولي على الصحافة، وحينما نستولي عليها نسعى جاهدين لتحطيم الحياة العائلية والأخلاقية والدين والفضائل الموجودة لدى البشرية عامة». ولهذا تجهد الماكينة الصهيونية لبت روح الدعاية وإحيائها في المجتمع الإسرائيلي أو التوجه إلى الخارج من خلال امتلاك أكبر عدد ممكن من المؤسسات الإعلامية ووكالات الإنباء الوطنية والعالمية (1).
تتركز الدعاية الصهيونية على التالي :
1- تخطيط دعائي منظم من جانب وزارة الخارجية الإسرائيلية، أعد سابقا بناء على أسس علمية منظمة، ومن ثم يتم تنفيذها.
2- استغلال الأقلية التي تربطه بالمجتمع اليهودي «التقاليد التاريخية».
3- وجود خلفية تاريخية، في المواقف المتميزة ضد البلاد العربية؛ وعدم وجود دعاية عربية مضادة أو «عكسية»، وإذا وجدت فهي ليست على المستوى المطلوب للمواجهة، لان الوضع العربي الراهن يفتقر إلى إستراتيجية موحدة من» التماسك»(2) الإعلامي والسياسي.
فالتوجه السياسي العام للإعلام الإسرائيلي، الذي له دوائره الحكومية المختصة بمسألتين هامتين: الأولى من خلال النشاط الرسمي المتمثل بوزارة الخارجية حيث تجمع "إسرائيل" في إحدى أقسامها، مهام وزارة الإعلام. والثانية في كيفية سيطرة أجهزة الأمن الإسرائيلية على الإعلام حيث تشرف إدارة الحرب النفسية بوزارة الدفاع على الإعلام الموجه للمنطقة العربية، إلى سكان الأراضي الفلسطينية، وعرب 1948 «العرب الفلسطينيين الذين يعشون على الأراضي الفلسطينية المعروفة باسم أراضي 1948». بهدف زرع اليأس في نفس الإنسان العربي وزعزعة ثقته بنفسه وأمته وتاريخه وحاضره ومستقبله، فضلا عن شن الحرب النفسية المتواصلة ضد العرب، لتحقيق سياسة «إسرائيل» الهدامة في المنطقة. ببساطة فإن ترتيب الإخبار من خلال فبركة الحقائق وتزييف المعلومات واللعب على الألفاظ لبعض الجمل والعبارات التي تغير المعنى الجوهري للمضمون، ولان الدولة العبرية أصبحت اليوم ذات خبرة عالية وقدرة كافية لها في إدارة المعارك الإعلامية الموجهة.
إن قدرة الدعاية الصهيونية على نشر روح الإشاعات، وفبركة الإحداث، والتضليل الإعلامي، وعدم المصداقية المهنية في بث الخبر وتزوير الحقائق، ما هي إلا دلالة حقيقية حول الصراع القائم في الأراضي الفلسطينية، وتزييف الحقائق الأساسية لطبيعة للصراع العربي- الإسرائيلي.
إذا رصدنا الوسائل الإعلامية العبرية الموجهة، التي تبثها الدعاية والإعلام الإسرائيلية اليوم على قنوات التلفزيون، وعبر أثير الإذاعات، والمواقع الإلكترونية المختلفة، وصفحات الجرائد اليومية، بلغاتها الـ16 التي يتوجه الإعلام العبري به إلى مواطنيه، بالرغم من التركيز الأساسي على اللغات الثلاثة الأساسية: العبرية، والعربية والروسية إضافة إلى الإنكليزية التي تعتمدها "إسرائيل" كلغة دبلوماسية خارجية في مخاطبة الرأي العام الأمريكي والأوروبي والعالمي، اما العربية التي تعتبر الثانية والمتداولة في "إسرائيل" بسبب وجود الأقلية العربية التي تشكل حوالي 20 في المئة من إجمال سكان الدولة العبرية، الموجودة في دولتها المصطنعة، والتي من خلالها تعمد الدعاية الإسرائيلية لمخاطبة العالم العربي والإسلامي عامة والشعب الفلسطيني خاصة، كان في الداخل أو مناطق الشتات المختلفة مستغلة بعض العرب العاملين في أجهزتها الإعلامية.
تستخدم "إسرائيل" البث الموجه بالعربي على الموجة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي «العربي» وأثير الإذاعة العربية الإسرائيلية الرسمية على الموجة الطويلة وتتحكم بهما أجهزة المخابرات العبرية في بث الإشاعات وفبركة الاخبار، ناهيك عن الدوريات والنشرات اليومية والصحافة المكتوبة والمدونات على الانترنت لتشويه صورة الفلسطيني والعربي(3) بكافة الامكانيات والمجالات المتاح لهذا الإعلام من استخدامها. الإعلام الإسرائيلي يتحدث عن معركة حامية بين مصر والجزائر على أثر التصفيات التي تدور من اجل الفوز بمقعد لبطولة العالم لكرة القدم في دورة 2010 والتي سوف تقام في جنوب افريقيا(4) متناسيا هذا الإعلام بان هذه الجماهير الجزائرية المشجعة لبلدها بالفوز هي نفسها هتفت في الشوارع ضد الحلف الثلاثي الموجه ضد مصر عام 1956. وعام 1967، و1973 إثناء الحرب الإسرائيلية- العربية ونصرة لمصر وشعبها، وفي الجانب الثاني هي نفس الجماهير المصرية التي هتفت في الشوارع، لثورة المليون شهيد وللشعب في حربه ضد الاستعمار الفرنسي. الكرة هي الكرة. و"إسرائيل" وشعبها يقومان بذلك، ولكن الإعلام الإسرائيلي مهمته الالتفاف على كل شيء في الدول العربية واستغلاله إعلاميا.
* سياسة "إسرائيل" الدعائية :
تعتمد "إسرائيل" في سياستها الإعلامية والدعائية على فبركة الإحداث والمعلومات الخاطئة والتضليل الإعلامي الموجهة والتستر والتعتيم على سير ومجرى الإحداث والإخبار الهامة، التي تخص الدولة العبرية وأفعالها تجاه الفلسطينيين والعرب، كما حصل في معركة غزة الأخيرة بما يخدم ذلك مصالح "إسرائيل" كدولة أولا وأخيرا. هذه المحطات الإعلامية هي إسرائيلية بالدرجة الأولى ولمصلحة «إسرائيل»، كدولة وللمجتمع والشعب» اليهودي» تعمل، وهي تخدم السياسة والمصلحة العبرية معا، الموجهة أصلا ضد المصالح الفلسطينية والعربية عامة(5).
تسيطر المخابرات الإسرائيلية وتوجه الإعلام والدعاية في الدولة بالرغم من الادعاء الصهيوني والعبري وتفاخره الدائم، بالديمقراطية والحرية والعدالة والكلمة الحرة. بالرغم من وجود أقلية عربية تدعي "إسرائيل" بأنها تستفيد من كل هذا المجال والمناخ الديمقراطي المتاح لها. وكذلك لها الحق المطلق في معرفة المعلومات وإبداء الرأي والتعبير والاعتراض لكونها أيضا جزءا من مكونات هذه الدولة الهجينة المركبة والمجمعة من كل بقاع العالم. والعرب يعملون: (اي السكان الأساسيين والذين باتوا يعرفون بعرب 1948). في محطاتها العبرية المختلفة «لكن الإعلام الإسرائيلي يغيب الديمقراطية في الإعلام والسياسة، ولا كما تزعم المؤسسة الإسرائيلية التي تتغنى بالديمقراطية، لان الدولة والمجتمع في "إسرائيل" تم بناؤهما ليس على أساس الديمقراطية والعدالة، والحقيقية. وانما على المبادئ الصهيونية القائمة على أن اليهودية هي فوق كل شيء. وهنا بالطبع تتعارض الديمقراطية المروج لها عبريا، مع اي شكل يبطل تلك الأفكار. عندها الديمقراطية تصبح يهودية واليهودية ديمقراطية، وهذا شأن الأحزاب السياسية أيضا في "إسرائيل" وكل ما سواها يبقى خارجا عن الديمقراطية(6). الإعلام العبري هو بحد ذاته إعلام مقاطع للعرب والفلسطينيين ويمارس بحق قضينا وبحقنا المعادلة التالية «العصى أو الجزرة «.
* الديمقراطية الإعلامية الإسرائيلية المزعومة :
الإعلام الذي تمارسه "إسرائيل" هو احتواء الاشياء وكل الاشياء، احتواء دور التيارات السياسية والديمقراطية والقومية والوطنية والنيابية في الداخل والخارج(7)، الإعلام الذي يمارس ويحلل مواضيع مختلفة بعيدا عن الواقع والمنطق مثلما يقال: «ماذا يرد الفلسطينيون في اراضي 1948، ما هي السلطة التي يجب أن تقوم في أراضي 1967، هؤلاء نواب عرب في الكنيست الإسرائيلي، وزراء عرب أيضا في الحكومات الإسرائيلية، وهذه مظاهرات عربية تؤيد أو تعارض، وأحزاب عربية مختلفة في الدولة من ناحية. ومن ناحية أخرى نرى كيف يمارس الإعلام ديمقراطيته في زرع الدسائس واختراعها بوجه التيارات الديمقراطية العربية وضد شخصياته وقيادته السياسية والوطنية بواسطة تزييف وتزوير الحقائق والأقوال والمعلومات الذي يبثها وينشرها بصورة مغيرة للواقع ومن واقع عالم الخيال. وهنا لابد للإعلام الإسرائيلي إن يروج لاعتبار حركة الشيخ رائد صلاح حركة إرهابية ويجب معاقبتها وحلها وطرد الشيخ صلاح من أراضي «الدولة». ذنب الشيخ صلاح بأنه جاء للدفاع عن الأراضي المقدسة ومسجدها الشريف من تدنيس الصهاينة والصهيونية.
الدعاية الموجهة ضد الفلسطينيين مثلا تقول تسيبي ليفني في جلسة الكنيسة الإسرائيلي بتاريخ 28-12- 2008، لأخذ الموافقة على حرب غزة في اليوم الأول للمجزرة اليهودية: «اخرجوا هؤلاء النواب(8) -إي النواب العرب- إلى خارج القاعة لعدم التشويش على الجلسة « إمام كاميرات الصحافة، وفي فترة البث المباشر على المحطات الفضائية إثناء النقل لوقائع الجلسة البرلمانية، إذا... أين هي ديمقراطية «إسرائيل» الإعلامية والسياسية في مجتمع يعتبر فيه سكان 1948 الفلسطينيون جزءاً من تركيبة الدولة والكيان العبري ولهم الحق في التعبير عن رأيهم ورفع صوتهم عالياً لأنهم يدفعون الضرائب لخزينة الدولة، في هذا المجتمع الإسرائيلي... لكننا نجد ردا إسرائيلياً يومياً معللا لكل الذي اشرنا إليه.
إن اهم إنجاز تم تحقيقه على المستوى العربي العام في الرد على الإعلام العبري، ومناجاة الصوت الفلسطيني والتوجه نحوه، هو وجود الفضائيات العربية وتطورها، التي من خلالها تم البدء بمخاطبة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وعن طريق الاستفادة من تطور التقنية الإعلامية والفضائية والربط الاصطناعي من الخارج وربط الداخل بالخارج لان الداخل يعيش داخل سجن واسع جدا... ونحن بعيدون جدا عن معاناتهم وهمومهم.
لنعمل معا جميعا من أجل إيجاد أفضل تقنية إعلامية للربط مع عرب الداخل، وإلى تطوير كل وسائلنا الإعلامية والدعائية في الرد على الإعلام العبري وكبح كل تبجحاته وأكاذيبه المفبركة. كفى أن نعمل ضد بعضنا البعض في قنواتنا العربية وإعلامنا المختلف وترك الفضاء الإعلامي مفتوحا للإعلام الصهيوني، والشعب الفلسطيني لقمة سهلة له.
المراجع والمصادر :
1- د.حامد ربيع،فلسفة الدعاية الإسرائيلية، منظمة التحرير الفلسطينية، بيروت، 1970 الطبعة الأولى، ص 40-47-52.
2- رفيق سكر، دراسة في الرأي العام والإعلام والدعاية، بروس برس، بيروت، 1983، ص 118.
3- أمجد احمد جبريل، تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة: نمط جديد من التفاعلات في المنطقة أم استمرار الوضع السابق، مجلة شؤون عربية القاهرة، عدد137 ربيع 2009، ص 41-57.
4- المباريات الفاصلة، التي قامت في السودان بين الجزائر ومصر في 18-11-2009. من اجل التأهل لبطولة العالم بكرة القدم في جنوب افريقيا عام 2010 والمؤسف وقوع الفريقين العربيين.
5- خالد ألعزي، " صوت إسرائيل" باللغة الروسية انفصام بين الصدر والإقامة، جريدة السفير اللبنانية، 6-6-2001، ص21.
6- د.عزمي بشارة، من يهودية الدولة حتى شارون دراسة تناقض الديمقراطية الإسرائيلية، دار الشروق القاهرة، 2005، ص 230-224.
7- المرجع نفسه ص 239.
8- اسعد التلحمي، جلسة الكنيست الإسرائيلي، جريدة المستقبل، بيروت، 29-12- 2008.
*باحث إعلامي ،مختص بالإعلام السياسي والدعاية
[email protected]
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية