أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

إلى السيد محمود عباس: شبه إجماع على عدم الذهاب إلى المباشرة وإسرائيل لا ترغب في السلام

حالة من الترقب والارتباك تسود الساحة الفلسطينية في ظل الأخبار المتباينة بين نوايا السلطة الفلسطينية الذهاب إلى المفاوضات المباشرة، أو الامتناع عن الذهاب إلى تلك المفاوضات والانخراط بها برغم التجارب السابقة في هذه العملية، والتي أثبتت ان دولة الاحتلال تستعملها للتغطية على كل ما تقوم به من ممارسات لا علاقة لها بالسلام، ابتداء من مصادرة الأراضي مرورا بالاستمرار في بناء جدار الفصل العنصري، تهويد القدس وتشريد أهلها، والاستيلاء على ممتلكاتهم، وانتهاء بالاستمرار في بناء المستوطنات والتي كان آخرها ما نشر في عدد جريدة هآرتس الإسرائيلية الصادر البارحة 15- 8- والذي جاء فيه ان رئيس وزراء دولة الكيان قد صادق على بناء 23 بناية في المستوطنات المنتشرة في الضفة الغربية المحتلة.

الأخبار المتواترة تقول بان السلطة الفلسطينية ترغب في ان تقوم اللجنة الرباعية بإصدار بيان يحدد شروط التفاوض، البيان الذي تعول عليه السلطة الفلسطينية كثيرا كما يبدو من خلال التصريحات المختلفة للساسة الفلسطينيين، سارعت إسرائيل الى رفضه مقدما، جاء ذلك خلال اجتماع للجنة الوزارية السباعية في حكومة الاحتلال، حيث بحثت هذه اللجنة، أمس الأحد، على مدار ثلاث ساعات، قضية استئناف المفاوضات المباشرة، والبيان المتوقع إصداره، وقررت في تلميح واضح وصريح، ان إسرائيل لن تقبل صدور مثل هذا البيان، الذي ترى فيه انه " محاولة لتثبيت" ما قالت انه شروط فلسطينية مسبقة.

برغم ما قيل وما يقال عن ضغوط على السلطة الفلسطينية، إلا ان هذا ليس مبررا لكي يكون الدافع الى الانخراط في عملية عبثية، أثبتت فشلا ذريعا على مدار السنوات الطويلة الماضية، والتي كانت دولة الاحتلال تمارس فيها كل أشكال الغش والخداع ليس ضد الفلسطينيين فقط، لا بل والمجتمع الدولي ككل، وكانت تقوم خلالها بتغييرات على الأرض، من اجل تثبيتها لصالحها في أية مفاوضات مستقبلية تتعلق بالوضع النهائي، هذا فيما لو افترضنا ان الأمور سوف تصل الى التفاوض حول الوضع النهائي.

من الواضح ان الطرف الفلسطيني هو الطرف الأضعف في معادلة التفاوض هذه، ومن هنا فان الضغوط تنصب على هذا الطرف كما هو واقع الحال في أي تنازع، حتى ولو كان على مستوى شخصي، خاصة في ظل فشل أية محاولات للضغط على الطرف القوي- العاهر-، وقد لمس الجميع ذلك بعد كل ما سمعه من السيد اوباما الذي وعد ولم يف، فاستدار وغير بوصلة ضغطه، ليمارس ما عجز عن تحقيقه على الجانب الإسرائيلي ليمارسه على الطرف الأضعف.

برغم حالة الانقسام الظاهرة في الساحة الفلسطينية، إلا انه يمكن رؤية موقف يمكن ان يقال انه شبه موحد في معارضة الذهاب الى المفاوضات المباشرة، وبعيدا عن الفصائل غير المنضوية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، برغم ما تشكله من ثقل لا يمكن التنكر له او نكرانه، إلا ان من الواضح، ان هناك ما يشبه الإجماع على عدم الذهاب الى المفاوضات المباشرة حتى ضمن تلك الفصائل المنضوية في إطار المنظمة، كما ان هنالك الكثير من أبناء حركة فتح ممن يرفضون مثل هذه العودة، إلا في إطار من الوضوح الذي لا لبس فيه، خاصة فيما يتعلق بالمرجعيات والى أين ستقود مثل هذه المفاوضات، وعلى ان يتم وقف كامل لعمليات الاستيطان التي تجري على قدم وساق في الأراضي الفلسطينية، وعلى ان يتم إيقاف كل عمليات التهويد التي تقوم بها دولة الاحتلال في مدينة القدس.

هذا فيما يتعلق بالموقف الفصائلي، أما على مستوى الشارع فمن الواضح أيضا ان هنالك قناعة كاملة لدى الجمهور الفلسطيني بكل شرائحه، بان دولة الاحتلال لا ترغب، وهي يوما لم تكن راغبة في تحقيق السلام في المنطقة، لان هذا يتناقض مع مبررات قيامها وطبيعتها الاستيطانية العدوانية، وطموحاتها للسيطرة على المنطقة بكل السبل.

ان ما يقال عن ضغوط تتعرض لها السلطة واتخاذها ذريعة من اجل الاستمرار في نهج سبقت تجربته، لن يكون مجديا، خاصة وان الخضوع للضغوط يعني ان الطرف الفلسطيني سوف يخضع للضغوط في كل مرة يتعرض لها، وإذا ما أصبح هذا هو الموقف الفلسطيني، فان هذا يعني ان أبناء فلسطين لن يجدوا شيئا لاستعادته في مستقبل الأيام، لان الضغوط لن تتوقف، ومن هنا فانه لا يجوز طأطأة الرأس في كل مرة يتعرض فيها الجانب الفلسطيني للضغط من اجل تقديم المزيد من التنازلات عن حقوق بينة واضحة وغير قابلة للتشكيك.

على أية حال، ما تقوم به إسرائيل على الأرض وعلى مدار الساعة، يثبت للقاصي و الداني، بانها دولة اغتصاب، غير معنية بالسلام، وانها تسعى لإبقاء المنطقة في حالة من التوتر وعدم الاستقرار، لان عكس ذلك يعني انتهاء دورها الوظيفي الهادف الى إخضاع المنطقة وإبقائها في حالة من التخلف والتبعية، ومن هنا فان الذهاب الى المفاوضات سواء المباشرة او غير المباشرة لن يكون سوى لخدمة الأغراض العدوانية الإسرائيلية، وهذا ما نعتقد بأنه ليس دور السلطة خاصة في ظل تراجع وأفول نجم دولة الديمقراطية الأولى والوحيدة في المنطقة وخاصة بعد حربها المدمرة على قطاع غزة.

قد تنظر القيادة الفلسطينية الى الموضوع بشكل مختلف من اجل ان تقول للعالم بانها لينة، عقلانية ومعتدلة، إلا ان السؤال هو ماذا سيفيد القيادة لو ان العالم كله صفق لها وللسيد محمود عباس فيما أدار شعب فلسطين ظهره لها وله ووصمهم بالتخاذل والتنازل وبيع الوطن.

16 آب 2010

رشيد شاهين
(95)    هل أعجبتك المقالة (86)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي