لعل الأجيال الحالية هى أجيال محظوظة تحيا أزهى عصور ثورة الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات والإنترنت والفضائيات والهواتف المحمولة مما يوفر لها مالم يكن متوفراً للأجداد العظام الذى عاشوا وعانوا فى ذلك الزمن البعيد والمدينة العظيمة تحبو طفلة فى مدارج الحياة ، فالأجيال الحالية تستطيع الإستمتاع بكل جديد وقت حدوثه فى أنحاء العالم فى التو واللحظة بعد وقوعه بثوانٍ بل ويشارك فى الحدث فى مثل هذا العالم الذى أضجى قرية صغيرة بفعل التقدم بما تجده من حولها من تقنيات حديثة ..
فمجرد الضغط على زر التلفاز تجد العالم بين يديك أو استخدام الكومبيوتر تسمع وتشاهد وتكتب وتحادث وتتصل ، تقرأ وتتابع وترد فى ثوان قليلة ، تأتيك بالصوت والصورة وعلى الهواء مباشرة ..
هذا بالطبع من حسن الحظ هذه الأجيال ، تعالوا معاً لنتتبع ماحدث ذات يوم فى هذه المدينة العظيمة ..
نام الأهالى مبكرين كعادتهم بعد كد النهار وتعبه والعمل الشريف من أجل أن الحصول على أرزاقهم .
بعد أن انتظروا طويلاً أن يأتى الخبر عبر خطوط البرق والهاتف إلى مكتب التلغراف ببورسعيد بإعلان مقدم أول أيام شهر رمضان المعظم أعاده الله علينا وعليكم جميعاً بالخير واليمن والبركات والرحمات ..
ونال الإعياء الأهالى بعد طول السهر وترفب الإنتظار ليتناولوا السحور اللذيذ وينوون الصيام استعداداً لصيام الشهر المعظم .ز
غلبهم التعب وناموا ، و أشرقت عليهم شمس اليوم التالى وهو أول أيام شهر رمضان المعظم من العام 1290هـ / 1873م فلا هم تسحروا ولا هم رددوا نية الصيام ( نويت الصيام .. غداً من شهر رمضان .. إن عشنا صمناه ، وإن متنا فإلى رحمة الله ) وأصبحوا جميعاً فى عداد المفطرين ..
انزعج الأهالى بالطبع وانعقدت ألسنتهم من الدهشة وشعروا بالحزن الشديد بعد أن تناهى الخبر عبر كافة الوسائل المتاحة وقتئذ عن أن اليوم الأربعاء هو الموافق لأول أيام الصيام وتساءلوا فيما بينهم :
ـ كيف حدث هذا؟
سرى الخبر فى أنحاء المدينة بأن هذا اليوم الموافق الأربعاء هو أول أيام الشهر الكريم من العام 1290 من الهجرة / 1873م ..
ولم يصم أحد فى بورسعيد بأسرها ، والسبب فى ذلك يرجع إلى أن إعلان المحكمة الشرعية الخاص برؤية هلال الشهر الكريم لم يصل إلى مكتب تلغرافات بورسعيد ولم يصل الإبلاغ من المعية السنية للجالس على الأريكة المصرية خديوى مصر ولا من محافظة مصر ( محافظة القاهرة) وبالتالى نام الأهالى ليلتهم وأصبحوا دون صوم ، ولم يصل البلاغ فلم تكن هناك وسائل اتصالات متاحة .
مر الليل على الأهالى طويلاً بعد طول انتظار وترقب ، ولكنه وفى تمام الساعة الرابعة والربع من صباح يوم الأربعاء حملت أسلاك البرف الإشارة إلى مكتب تلغرافات بورسعيد برؤية هلال الشهر الكبير لإعلان بداية أول أيام الشهر الكريم ، ولما كانت الرابعة والربع صباحاً ميقاتاً متأخراً ويحلو فيه النوم فلم يستطع حضرة الموظف المنوط به العمل فى مكتب التلغرافات من إبلاغ المسئولين أو الأهالى الخبر فى مثل هذا الوقت المبكر فور وصول الإشارة وبالتالى فإن أهالى المدينة جميعاً أصبحوا من المفطرين فى يوم الأربعاء الموافق أول رمضان المبارك من العام 1290هـ لسبب بالطبع خارج عن ارادتهم ..
حدث هذا زمان ، أيام أن كان أهالى المدينة ينامون في ساعات الليل الأولى استعداداً لإستقبال يوم جديد ملئ بالعمل الشاق والجهد من أجل الحصول على أقواتهم .
وكان تناول السحور من أهم أساسيات الحياة البورسعيدية حتى أن البسطاء من الناس كانوا يتناولون سحورهم طعاماً يتكون من الأرز المطبوخ مختلطاً بالزبيب ليساعدهم على الصيام وتحمل المشاق لبذل الجهد ..
رحم الله زمان وأيام زمان ..
وإلى لقاء بإذن الله مع طرائف بورسعيدية جديدة ، ورمضان كريم .
=-=-=-=-=
عضو اتحاد كتاب مصر
بورسعيد
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية