يبدو أن الموضة لم تترك موضوعا إلا وحشرت أنفها فيه, ويبدو أيضا أن الفلسفة الهندية الشرقية قد سحرت البعض فسولت له نفسه إحداث ما لم يكن في ديننا، وأدخل عليه ما يستطع الشيطان إدخاله، ومن مفارقات زمن العجائب الإجراءات المصرية ضد قناة الرحمة، والإجراءات الفرنسية الساعية لإيقاف بث قناة الأقصى، في حين أن هناك عشرات المحطات التبشيرية واليهودية، تملأ دهاليز وترددات القمر الصناعي المصري وبقية الأقمار التي تغطينا ليل نهار.
من الأمور التي شدتني مشاهدة بعض (المشايخ) في إحدى المحطات، وهم يقدمون ردودا على القس زكريا بطرس ومحطته الفضائية، وتفسيرا للقرآن الكريم فيها من الشطحات والخيال ما يفوق الوصف. والأغرب أن الاتصالات الهاتفية بدأت بالتوافد، فكانت هناك اتصالات عديدة من الأردن، وخصوصا من سيدة تدعي أنها أردنية, المحطة المقصودة هي (التلفزيون الأحمدي) التي تبث من حي الكبابير في حيفا، فكل ما سبق كان مجرد مسلسل لكسب تعاطف المسلمين السذج نحو تلك المحطة.
ويبدو أن هذه الجماعة أراحت حالها على الآخر؛ لأن المسيح الموعود موجود بينهم، وله خلفاء، فلا داعي بعد اليوم أن ينتظر الهندوس "كرشنا"، أو أن ينتظر المسيحيون "المسيح"، أو أن ينتظر البوذيون "بوذا".
ببساطة أكثر حسب اعتقادهم، يجب على الأمة الإسلامية جمعاء أن (تلحق حالها) وتتبع مسيح بني قاديان الموعود غلام أحمد، والذي سيبعث في نهاية الزمان من قبره بمدينة قاديان الهندية، وإلا فإن العقاب شديد، وتسهيلا أكثر وأكثر على أتباعها فالطائفة نقلت فريضة الحج من مكة المكرمة إلى قبر المسيح القاديانى بالهند، أو جبل المقطم في مصر، حيث اختفى المعز لدين الله، والجماعة حتى تسير أمورها بسلاسة قامت بتوزيع الألقاب على المسيح المزعوم وخلفائه وأصحابه، فهناك من يحمل رتبة (صلى الله عليه وسلم) وهناك من يحمل رضي الله عنه، وهناك من يحمل لقب سلام الله عليه، وهناك من يحمل درجات أقل من قبيل الحضرة، أو أيده الله تعالى بنصره العزيز، وختاما بحضرة أمير المؤمنين.
آخر صرعاتهم، وهي أكثر من أن تعد، ما حملته لنا الأخبار من أن أجهزة الأمن المصرية ألقت القبض على مجموعة منهم، ونسبت إليهم التحقيقات اتخاذ مكان في منطقة المقطم لإقامة شعائر الحج، مما يعد مخالفة صريحة للشريعة الإسلامية.
المجموعة لها أفكار متطرفة، منها الادعاء بأن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم ليس خاتم الأنبياء، وأن الوحي ينزل على مؤسس الجماعة، ويتحدث معه، وما زال يتحدث -حاشى لله تعالى- مع خلفائه، وأنه مؤيد بالمعجزات الكثيرة، ومنها أنه تعلم من الله العربية في ليلة واحدة، وتغير لسانه من الهندية للعربية!!!
وفي كل الأحوال فالديانة القاديانية، والتي حملت بعد فتره طويلة اسم (الأحمدية) هي جماعة تصف نفسها بطائفة إسلامية تجديدية عالمية، تأسست عام 1889 بقاديان، إحدى القرى بالبنجاب في الهند أثناء الحكم البريطاني. أسسها ميرزا غلام أحمد القادياني، معلنًا أنه ذلك الموعود الذي بشّر به محمد (صلى الله عليه وسلم) بمجيئه، والذي توفي في العام 1908، حيث خلَفه الخليفة الأول نور الدين، ثم الخليفة الثاني ميرزا بشير الدين محمود أحمد، ثم تلاه الخليفة الثالث ميرزا ناصر أحمد، ثم تلاه الخليفة الرابع ميرزا طاهر أحمد، والآن عهد ميرزا مسرور أحمد المقيم في لندن حيث مركز خلافته.
تشير أدبيات تلك الجماعة إلى أنهم أصحاب الفضل في تأسيس أول مسجد في لندن، وإعمار المسجد الأقصى في العشرينات من القرن الماضي، وأنهم افتتحوا أكبر مسجد في كندا قبل سنوات قليلة، وأن (مسيحهم) أرسل إلى بلادنا رسوله جلال الدين شمس عام 1925 والذي أنشأ جماعة الشام في دمشق، وجماعة فلسطين في الكبابير، وجماعة مصر في القاهرة، وأسس أول مسجد للجماعة ومدرسة لأطفال الأحمدية في الكبابير عام 1930, ثم خلفة الرسول الثاني أبو العطاء الجالندهري المولود بالهند، والذي وصل إلى فلسطين عام 1931 وبقي حتى 1936. حيث أكمل بناء مسجدهم المسمى باسم سيدهم (محمود) في الكبابير. وهو الذي أسس مجلة "البشارة الإسلامية الأحمدية" لسان حال الجماعة في الديار العربية، وغيّر اسمها إلى "البشرى" فيما بعد.
وتناست تلك الجماعة في كافه كتبها وإعلاناتها أن ميرزا بشير الدين محمود أقام في فلسطين منذ سنة 1924م، ولما قامت دولة "إسرائيل" سنة 1948م، وطردت سكان فلسطين الأصليين، سُمح للقاديانيين بالإقامة دون مسهم بأي أذى، وسمحت "إسرائيل" بإقامة المراكز التبشيرية بدعوتهم ونشر مطبوعاتهم، ذلك أن خليفتهم الثاني ميرزا محمود قد قام بتأييد إقامة الدولة الصهيونية في فلسطين.
إن أغلب المرجعيات الدينية في البلدان العربية والإسلامية، وآخرها لجنة إفتاء السلطة الفلسطينية, تكفر تلك الطائفة، وتنعتها بصفات كثيرة، وعلماء الباكستان أصدروا كتابا كبيرا في الأربعينات من القرن الماضي يناقش بعمق أفكارهم، ويفندها جمله وتفصيلا.
لن نستفيض في الشرح عن القاديانية وأهدافها، ولكن أليس من المفروض بوزراء الإعلام العرب، والذين يتفقون في نهاية كل محضر من محاضر اجتماعاتهم على ضرورة محاربة الأفكار الإرهابية والإباحية الجنسية والأفكار الإلحادية، أن يمنعوا بعض المحطات التي وصلت الأمور فيها إلى حد تبادل الزوجات على الهواء، وتبادل النكت القذرة، وإيقاف كل محطات الدردشة الجنسية، وقبل كل ذلك إيقاف المحطة الأخطر، أو ما يسمى (تلفزيون الأحمدية) لسان حال القاديانية؟.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية