أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

العرب للرئيس الفلسطيني: "اذهب أنت وربك فقاتلا" ... رشيد شاهين

كان من الواضح ان قرار لجنة المتابعة العربية منح الرئيس الفلسطيني الضوء الأخضر لاستئناف أو العودة إلى المفاوضات المباشرة مع دولة الاحتلال، لاقى ردود أفعال متفاوتة ما بين مؤيد ومعارض لذلك، هذا القرار، الذي نظر إليه البعض- ونحن منهم-، على انه ليس سوى محاولة من قبل الجامعة العربية والدول المنخرطة بها، للهروب من مسؤولياتها -التي من المفترض ان تكون تاريخية ورئيسية- وإلقاء العبء على السلطة، وكذلك التخلي عن المسؤوليات التاريخية ورمي الكرة في ملعب الرئيس الفلسطيني.
إلقاء المسؤولية على الطرف الفلسطيني، وتحميله ما لا يحتمل من قبل اللجنة، ليس الأول من نوعه، فالجامعة العربية بما تمثله من أنظمة العربان، أصبحت عاجزة عن تحقيق أي دور، خاصة في ظل أنظمة ربطت بلدانها ومصائر شعوبها بالإرادة الأجنبية، وبالتالي صارت غير قادرة على اتخاذ قراراتها، إلا من خلال"التشاور" مع البيت الأبيض وسواه من حكومات الغرب، من اجل الحصول على "الضوء الأخضر" وموافقة الأسياد في العواصم الغربية.
الرئيس الأمريكي اوباما والذي "اشبع" أمة العربان وعودا "وعنتريات" في الأسابيع والأشهر الأولى لولايته، والذي قلنا منذ البداية انه لن يقدم أكثر مما قدمه الرؤساء الذين سبقوه في البيت الأبيض، تراجع شيئا فشيئا أمام الصلف والعنجهية الإسرائيلية ممثلة برئيس الوزراء نتانياهو ووزير خارجيته ليبرمان، وضغط اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، وانقلب على ذاته، "ولحس" كل وعوده، وصار يوجه ضغطه على الطرف الأضعف في المعادلة وهو بالضرورة الطرف الفلسطيني، وإذا ما صح ما تناقلته وسائل الإعلام "وهو بتقديرنا صحيح" عن رسالة اوباما الى الجانب الفلسطيني، والتي تتضمن تراجعا واضحا، وتهديدا أكثر وضوحا لهذا الجانب، في حالة عدم استجابته للرغبات الأمريكية والعودة الى المفاوضات المباشرة والتي تهدف فيما تهدف الى تبييض الوجه الإسرائيلي القبيح، فانه يمكن أن يدرك ليس فقط العربان لا بل والطرف الفلسطيني، ان الرهان على أميركا واوباما منذ البداية، لم يكن سوى رهان خاسر، وان على الطرف الفلسطيني ان يعيد ترتيب أوراقه وأولوياته، وان يلتفت الى شأنه الداخلي الذي صار حجة لكل التراجع العربي والعالمي الرسميين في البحث عن حلول ناجعة للصراع.
بنيامين نتانياهو، الذي يمثل الصلف الإسرائيلي بأبشع صوره، لم يتراجع قيد أنملة عن مواقفه، برغم كل ما يمكن أن يقال في هذا الإطار حول تنازلات وتراجع وخلافه، وما يجري على الأرض خير دليل على ذلك، وقد ظل يوجه الصفعات الى الجانب الأمريكي بدون توقف، من خلال إعلاناته المتواصلة عن استمرار في سياسة البلطجة والاستيطان وبناء الجدار والاستيلاء على الأرض وهدم البيوت..الخ.
بالمقابل، فان الطرف العربي، لم يحاول ان يتعلم من كل الدروس الإسرائيلية، ولم يعلم حتى اللحظة ان البقاء أصبح للأقوى في ظل معادلات عالمية ألغت مقولة " البقاء للأفضل"، وهو وبدلا من ان يقابل المواقف الإسرائيلية المختلفة بالقوة- لا نقصد هنا الحرب- والضغط والمزيد من العزل خاصة بعد تراجع التأييد الشعبي في الغرب لدولة الاحتلال، وبدلا من ان يعاقب إسرائيل على كل ما تقوم به، فانه يقوم من خلال منح الرئيس الفلسطيني ما قال انه تفويض باستمرار المفاوضات بمساعدة دولة الاحتلال وحكومتها اليمينية، وتقديم ما يشكل طوق نجاة لها من اجل الخروج من عزلتها الدولية التي اقر بها سفراء إسرائيل في عواصم العالم المختلفة، وهم بمثل هذا القرار وكأنما يقولون للسيد أبو مازن " اذهب أنت وربك فقاتلا ان هاهنا قاعدون".
بتقديرنا ان الرئيس الفلسطيني الذي يطالبه العرب والعالم بالعودة إلى المفاوضات المباشرة، عليه ان يكسب ثقة شعبه الذي يقف الى جانبه في عدم العودة الى المفاوضات المباشرة، والتي ثبت فشلها على مدار سنوات طويلة، لان ثقة العالم لن تفيده إذا ما هو خسر ثقة شعبه، وهو مطالب بالاستجابة والاستماع الى الأطراف الفلسطينية المختلفة، ليس فقط التي هي خارج إطار منظمة التحرير الفلسطينية، لا بل وتلك التي تتشكل منها هذه المنظمة، لا بل وحتى الى الحركة التي يقودها ونعني هنا حركة فتح التي يسود قواعدها "نفس" من الغضب ضد المواقف الأمريكية التي تحاول ابتزاز الطرف الفلسطيني على حساب حقوقه وثوابته.
ان من غير المفيد للرئيس الفلسطيني ان يكسب كل العرب وكل العالم ويخسر شعبه، ومن هنا فان العودة الى المفاوضات المباشرة يجب ان لا تكون من اجل إرضاء العالم وإدارة الظهر الى أبناء الشعب الفلسطيني، ولهذا فهو مطالب بان يقاوم الضغوط التي تتم ممارستها لان هذه العودة الى المفاوضات المباشرة، تعني العودة الى الدائرة ذاتها التي مارست خلالها دولة الاحتلال كل الكذب والتزوير على مدار ما يقارب العشرين سنة الماضية، وسوف يظل الطرف الفلسطيني هو الملام وهو من يعطل التوصل الى تسوية وسيبدو الطرف الآخر هو الضحية، وهو من يرغب في السلام، بينما الطرف الفلسطيني هو المعوق والرافض والذي عليه تقديم المزيد من التنازلات.
من الواضح ان العودة الى المفاوضات المباشرة التي يطالب بها اوباما وأصدقاؤه العرب، ليس لها ما يبررها في ظل عدم وجود أي تغيير في مواقف دولة الاحتلال، هذا الإصرار الأمريكي على العودة الى طاولة المفاوضات المباشرة، لا يأتي من اجل العيون والمصلحة الفلسطينية بقدر ما هو من اجل إنقاذ دولة الاحتلال وكذلك الولايات المتحدة، التي فشلت حتى اللحظة في تحقيق أي تغيير او أي تقدم في موضوع الصراع في المنطقة، وهي أيضا فشلت فشلا جليا في موضوع العراق وأفغانستان وهذا ما يجعل اوباما يشعر بالإحباط والمزيد من الفشل برغم كل ما قاله حول هذه المواضيع.
لجنة المتابعة التي أعطت للرئيس حق العودة الى المفاوضات المباشرة، إنما تعكس حال العجز العربي، وهي ترمي فيما ترمي الى توريط الرئيس الفلسطيني، خاصة وان الدول العربية التي أقرت ما أقرت في قمة طرابلس - كما في كل القمم السابقة والتي ستأتي- من دعم لم تف بأي من وعودها، ومن هنا فان المطلوب من الرئيس الفلسطيني ان لا ينجر الى ذلك، خاصة وان أحدا في العالم لن يستطيع حل المسألة الفلسطينية بدون موافقة الطرف الفلسطيني، وهذا بدون شك هو عامل القوة الوحيد في اليد الفلسطينية، وعلى السيد محمود عباس أن لا يعود الى المفاوضات دون ضمانات مكتوبة من قبل الإدارة الأمريكية وبمرجعية واضحة بدون لبس او غموض.

4 آب 2010

(77)    هل أعجبتك المقالة (87)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي