أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الدوران في الحلقة المفرغة.. راسم عبيدات

.......من المعروف والمتعارف عليه أن أمريكا وإسرائيل خبراء في إدارة الأزمات وهم يعالجون الأزمة بأزمة جديدة،وإذا لم تكن هناك أزمة فهم يفتعلونها من أجل حرف الأنظار عن الأزمة القائمة وإشغال الآخرين بالأزمة الجديدة،ونحن العرب والفلسطينيين على المستوى الرسمي بسبب حالة انعدام الوزن وفقدان الإرادة والقرار،ينطبق علينا مثل "مثل حمير الساقية" نستمر في الدوران في نفس الحلقة والدائرة المرسومة لنا،ولا نملك إلا الدعاء بدفع البلاء والاستجابة لما يطلب منا في كل مرة،وفي كل مرة أيضاً نختلق الحجج والذرائع لما نقوم به من تصرفات،ونصور الأمور على نحو ما ليس هي عليه،ونعيد ونجتر نفس الكلام بأن الاستمرار في العملية التفاوضية هو مصلحة فلسطينية وعربية والكرة الآن في الملعب الإسرائيلي،ونتنياهو هو من يمتلك مفاتيح الحل،وهذا الوحيد الصحيح من أقوالنا مئة بالمائة،فهذا النتنياهو صامد وثابت على مبادئه وبرامجه التي على أساسها تم انتخابه،فهو يؤكد بالعمل والفعل لا بالقول والشعار بأن القدس ستبقى موحدة وعاصمة "لإسرائيل" وأن الاستيطان سيتواصل ويستمر فيها دون أية قيود أو عوائق،وهو رفض الضغوط الأمريكية عليه في هذا الجانب،بل وطوع الجانب الأمريكي لصالح رؤيته،وهو الذي سرعان ما يتراجع ويتخلى عن التعهدات والالتزامات التي يقدمها للجانب الفلسطيني من أجل الاستمرار في المارثون التفاوضي العبثي،فعندما أقرت لجنة المتابعة العربية العليا عودة الطرف الفلسطيني الى المفاوضات غير المباشرة لمدة أربعة شهور،رد على ذلك نتنياهو ووزير داخليته بالإعلان عن مناقصة لبناء 1600 وحدة سكنية استيطانية لتوسيع مستعمرة"رامات شلومو" على أراضي شعفاط وبيت حنينا شمال القدس،واتفق الجانبان الأمريكي والفلسطيني على عدم الانتقال إلى المفاوضات المباشرة دون حصول تقدم في ملفي الحدود والأمن ووقف الأنشطة الاستيطانية في الضفة والقدس،ولكن عاد الطرف الأمريكي ونقض كل تعهداته والتزاماته للجانب الفلسطيني،بل وأبعد من ذلك زاد من ضغوطه وتهديداته على الجانب الفلسطيني إما العودة إلى المفاوضات المباشرة وإما عزل الجانب الفلسطيني اقليميا ودولياً وزيادة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية عليه والتهديد بقطع المساعدات عنه،وعدم تجديد أوامر التجميد الشكلية والجزئية للاستيطان في الضفة الغربية.
وبالفعل أثمرت هذه الضغوط الأمريكية والإسرائيلية على الفلسطينيين والعرب بأن اتخذت لجنة المتابعة العربية التي التقت في القاهرة في 29/7/2010 قراراً يعطي الضوء الأخضر للرئيس عباس بالعودة للمفاوضات المباشرة يقرر هو وقت العودة إليها،وهذا معناه وتفسيره أن هذه العودة تمت دون كل ما جرى الاتفاق عليه وحوله سابقاً،بل وكما قالت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية السيدة حنان عشراوي في تصريحاتها للقدس العربي بأن الجانب الفلسطيني تعرض لتهديد وابتزاز غير مسبوق من قبل الطرف الأمريكي،ويقر ضمناً بذلك رئيس الطاقم التفاوضي صائب عريقات عندما يقول بأن الرئيس عباس تلقى رسالة من الرئيس الأمريكي أوباما يطلب منه الانتقال إلى المفاوضات المباشرة لأن ذلك مصلحة فلسطينية وأمريكية،وفي حال عدم موافقة الطرف الفلسطيني على ذلك،فسيكون من الصعب تحقيق حل الدولتين.
المهم هناك عدة قضايا على ضوء هذه الموافقة يجب النظر إليها على درجة عالية من الخطورة،يقف في المقدمة منها تغيب المؤسسات الفلسطينية الشرعية مشن لجنة تنفيذية ومجلس مركشزي وغيرها عن القرار والفعل وتحويلها إلى مؤسسات استخداميه ووقت الحاجة،بل وتجويف وضرب عرض الحائط بقراراتها وعدم احترامها والالتزام بها،وأبعد من ذلك الاستقراء عليها عربياً،وهذا مؤشر خطير يجب التوقف أمامه من كل فصائل العمل الوطني الفلسطيني بما فيها فتح.
الطرف الإسرائيلي سيستغل تلك الموافقة من أجل ان يقوم بعملية توغل واسعة تجاه القدس وشعبنا في الداخل،وبما يخرج القدس من دائرة الصراع فهو سيقوم بالإجهاز عليها،وخصوصاً أن الطرف الفلسطيني سيدخل هذه العملية ليس لديه ولا يمتلك من أوراق القوة شيء،بل أدرك الجانب الإسرائيلي أن هذا الطرف مع كل ضغط عليه مستعد لتقديم المزيد من التراجعات والتنازلات،فهو أحرق كل أوراقه السياسية وهو غير قادر على التراجع والرفض،وخاصة انه لم يصمد أو يثبت على مواقفه ولو مرة واحدة،وكذلك الحالة العربية الرسمية في أعلى حالة من حالات ودرجات الانهيار والسقوط،وهي غير قادرة على مساعدة نفسها لكي تساعد الوضع الفلسطيني،ناهيك عن أن الحالة الفلسطينية ضعيفة ومنقسمة على ذاتها،
ومن هنا حتى يجري الاتفاق على المفاوضات وبدئها وما هو جدول الأعمال والأساس الذي ستقوم عليه تلك المفاوضات والتي ستمتد لعدة شهور،يكون نتنياهو قد أكمل ما يريده من خطط وإجراءات وممارسات على صعيد تهويد القدس واسر لتها،وعندما يريد الجانب الفلسطيني أن يعترض على ذلك أو يمارس سياسة الحرد،فهو لن يجد أحداً يقف إلى جانبه،خصوصاً أنه لأكثر من مرة عاد إلى نفس المسلك والممارسة والموقف ولم يثبت عليها،وكان يعلق أماله على ممارسة ضغوط أمريكية وأوروبية غربية على إسرائيل وهو "كمن يستجير من النار بالرمضاء" من أجل التراجع عن موقفها وممارساتها،وهو الذي يدرك جيداً أن أمريكا وأوروبا الغربية ومعهن المبعوث الأمريكي للرباعية ميتشل لم ينجحوا في إعادة بطاقات الهوية لنواب القدس ووزير شؤونها السابق المهددين بالطرد عن بلدهم وقدسهم،وهم الذين شاركوا وفازوا في انتخابات تشريعية فلسطينية وافقت عليها إسرائيل وأمريكا وأوروبا الغربية.وبالتالي لن يضغطوا على إسرائيل لا لوقف تهويد وأسرلة القدس ولا للانسحاب حتى حدود عام 1967 ،بل سيلجئون إلى افتعال واختلاق أزمة جديدة يشغلون فيها العرب والفلسطينيين،وصناعة عدو وهمي يحرفون فيه الصراع عن أسسه وقواعده الحقيقية،نحو تأجيج الصراعات الطائفية والأثينية في أكثر من بلد عربي.
وما تتمخض عنه هذه المفاوضات المجرد فيها الجانب الفلسطيني من كل أوراق القوة حتى الفلسطينية منها،لن تقود إلا إلى تنفيذ المخططات المشبوهة بحق شعبنا ومشروعنا الوطني الفلسطيني،وأولى هذه المخططات تكريس الانقسام كأمر واقع،وقد عبر ليبرمان بشكل واضح عما يحاك ويخطط للقطاع من التخلي الكلي عنه كجغرافيا وسكان وربطه مع مصر وغيره من دول المحيط العربي،على أن تتولى الإشراف على معابره البرية والبحرية،أما الضفة الغربية والتي يتواصل مسلسل قضمها في الأغوار ويلتهم جدار الفصل العنصري ما لا يقل عن 46 % من أراضيها فما سيتبقى منها سيتم إلحاقه بالأردن.
وبالاستناد إلى ذلك أرى ضرورة الانتباه جيداً بأن الطرف الفلسطيني المفاوض سيقدم على مغامرة غير محسوبة، سيكون ثمنها هذه المرة باهظاً ويصل ليس درجة الانتحار السياسي للفريق المفاوض فقط،بل وللمشروع الوطني برمته.

القدس- فلسطين
1/8/2010
0524533879
[email protected]

(116)    هل أعجبتك المقالة (91)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي