أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

معبر الكرامة بلطجة إسرائيلية من نوع آخر ... رشيد شاهين

في الصيف، في كل صيف، منذ أربعة عقود ونيف، أي منذ احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة في حرب العار عام 1967، وأبناء الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، أو أولئك الذين يقيمون في الخارج، يعانون بشكل متواصل، بسبب وجود قوات الاحتلال وتواجدها على المعابر التي تربط فلسطين بالخارج، سواء كان ذلك من خلال معبر رفح او من خلال جسر اللينبي، حيث تشهد تلك المعابر حركة نشطة تتضاعف بشكل لا يمكن مقارنته مع فصول السنة الأخرى.
قبل ما يقارب العام، انطلقت حملة شعبية تنادي وتطالب بضرورة تسهيل حركة الفلسطينيين، وضرورة السماح لهم بالسفر بحرية وكرامة، وقد أطلق على الحملة اسم حملة كرامة، تيمنا بالاسم الفلسطيني الرسمي للمعابر الواصلة ما بين الأردن والأراضي الفلسطينية، وقد استطاعت هذه الحملة برغم الإمكانيات المتواضعة، لكن بالعزيمة و الإيمان الواعي بهذه القضية، أن تحرك بعضا من الماء الراكد حول ما يجري على المعابر، ابتداء من استراحة أريحا وما كان ولا زال يجري بها، مرورا بالمعاملة الإسرائيلية المهينة والتي لا علاقة لها بكل ما تقوله او ترفعه دولة الاحتلال من شعارات عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وانتهاء بالمعابر الأردنية بكل ما فيها من سلبيات ومعاملة يتشكى منها الكثير من أبناء الشعب الفلسطيني.
قبل عدة أيام اضطر احد الأصدقاء إلى التوجه للأردن، لحضور جنازة قريب له توفي هناك، الرجل الذي أشاد بتسهيل سفره من قبل الجانبين الفلسطيني والأردني خلال خروجه بعدما ابلغهما بظروفه، كان غاضبا جدا لما رآه من معاملة مهينة على الجسر الإسرائيلي، حيث قال انه وخلال وقوفه في صفوف الانتظار من اجل الانتهاء من معاملة جواز السفر، لاحظ ان هنالك من يعتقد بأنهم طلابا إسرائيليين، كانوا يأتون بمرافقة بعض المجندين والمجندات الذين يحاولن تعليمهم كيفية التعامل مع العرب، وقال " تعليمهم على كيفية توجيه الاهانات وامتهان الكرامة" وأشار إلى انه لاحظ خلال وقوفه في الطابور لمدة تزيد على الساعتين، ان هؤلاء يأتون بين الفينة والأخرى، وكأنهم يرغبون في تطبيق ما تعلموه، يأمرون المسافرين بصوت عال، وبروحية فيها الكثير من العنجهية والاحتقار والكراهية، إما بالرجوع الى الخلف، او الوقوف في الطوابير بشكل "مرتب"، وإذا ما شعر بأنه لا استجابة "لأوامره" فانه يذهب ليأتي بجندي، عادة ما يكون "ضخم الجثة"، فيبدأ هذا بالصراخ بشكل عال جدا، وينظر الى "الطالب" وكأنه يريد ان يقول له، هكذا يجب ان تتصرف، ويضيف الصديق، انه لاحظ ان هؤلاء "الصغار" في السن، يعودون بشكل مستمر لممارسة الصراخ، وكأنهم استطابوا الأمر. كما أكد على انه لاحظ وكل من كان في الانتظار ان انجاز العمل يتم بصورة فيها الكثير من البطء المتعمد، وهذا ما يؤدي الى الانتظار بشكل طويل وغير مبرر، ويضيف، تصور ما يجري للأطفال وكبار السن والمرضى عندما يضر هؤلاء الى الوقوف لساعات في طوابير، وكانوا قبل ذلك قد اضطروا للمكوث لساعات في الحافلات التي تفتقر الى التكييف الجيد خاصة حافلات الشركة العاملة على الجانب الأردني( موضوع الحافلات على الجانب الأردني الكل يجمع على ذلك).
خلال اليومين الماضيين، قامت سلطات الاحتلال بإغلاق المعابر ورفضت استقبال المسافرين بعد الخامسة مساء، علما بان عمل الجسور يستمر او "هكذا يفترض" حتى الساعة التاسعة مساء. هذا الإغلاق أدى الى بقاء آلاف من الناس في العراء على الجانبين الفلسطيني والأردني.
موضوع المعابر تحكمه اتفاقيات بين الجهات الثلاث- الفلسطينية، الأردنية والإسرائيلية-، وإذا ما تم الرجوع الى الواقع والحقيقة، فان أي من الطرفين الفلسطيني والأردني، محكوم بما تقرره إسرائيل، وبالتالي فان من الواضح ان أي اتفاقات بهذا الشأن لا تعني ولا تلزم إسرائيل بأي شيء، شأنها شأن كل الاتفاقات الأخرى، ومن هنا فان المطلوب من هاتين الجهتين ان تبادرا الى اتخاذ خطوات معينة من اجل لجم هذه البلطجة الإسرائيلية، حيث من غير المعقول ولا المقبول، ان تكون هي صاحبة الكلمة العليا في كل شيء، لا يمكن ان تكون هي من يقرر كل شيء في هذه القضية، لا بد من اللجوء الى جهة دولية ما، جهة حقوقية ما الى وسيط ما الى محكمة ما... من اجل القول لدولة الاحتلال بأن كفى، هذا الوضع المستمر منذ العام 1967 يجب ان يتوقف، لا يجوز ان يبقى الشعب الفلسطيني رهينة لقرارات إسرائيلية تتسم بالبلطجة وتصرفات هي اقرب الى تصرفات العصابات وقطاع الطرق منها الى الدول والحكومات المحترمة.
العالم "هناك في الغرب" وفي هذا الزمن، لا يمكن ان يستوعب إذا ما حدثه احدهم عما يجري من ممارسات إسرائيلية على المعابر، "هؤلاء الذين هم في الغرب" والذين هم سبب مصائب الأمة، برغم ذلك، لا يمكن ان يفهموا او يتفهموا ان يتم منع أحد من السفر، ولهذا فلا بد من التحرك الرسمي والشعبي من اجل توضيح الحقائق لهؤلاء، لا بد من ان تقوم السفارات المنتشرة بالخارج، بشرح كل ما يجري من إذلال، واستهتار ومهانة، ومنع لحرية الحركة لأبناء الشعب الفلسطيني.
عندما طالبت حملة كرامة من السلطة الفلسطينية من خلال اللجنة الرئاسية إلغاء الضرائب، كان الرد ان هنالك اتفاقيات موقعة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي- باريس- وان لا مجال للإلغاء إلا بإلغاء الاتفاقيات او تعديلها، وعندما قلنا ان هذه خاوات واتاوات وبلطجة تمارسها دولة الاحتلال لم يعجب هذا الكلام البعض، وهنا نكرر ان ما تقوم به دولة الاحتلال هذه الأيام من إذلال واضح، هو أكثر من فرض اتاوات، انه بلطجة رسمية إسرائيلية، فبدلا من ان يتم فتح المعابر على مدار الساعة، تقوم سلطات الاحتلال بخنق "العالم" وحشرهم لساعات طويلة في الحافلات والقاعات في ظل أجواء الصيف المعروفة للجميع خاصة في منطقة الأغوار، الحجج الإسرائيلية التي سمعناها حول عدم وجود أعداد كافية من الموظفين غير مقنعة وغير مقبولة، خاصة إذا ما علمنا ان أضعاف هؤلاء المسافرين يتم عبر مطار اللد على سبيل المثال، ومن هنا فان السؤال هو لماذا على الجانب الفلسطيني ان يلتزم بالاتفاقيات فيما يقوم الطرف الآخر بالبلطجة- عينك عينك- ولا يقيم أي وزن للاتفاقيات، ولماذا يقوم بفرض اتاوات وخاوات ويمرر سياساته بالطريقة التي يعتقد بأنها الأفضل.
من الملاحظ ان هناك تحسينات تمت على الجانب الفلسطيني، وان الأمور تسير بشكل أفضل من السابق، حتى ولو كان ذلك بشكل بطيء، لكن هل هذا يكفي لكي تخف معاناة الناس خلال ذهابهم وإيابهم؟، ان ما قامت به اللجنة الرئاسية جيد، لكن في هذا الإطار، فان توفير المبالغ التي تم توفيرها لأية جهة كانت سوف تقوم بنفس ما تقوم به اللجنة الرئاسية حتى لا نقول أفضل، المطلوب ليس فقط إجراء تحسينات، فالمعابر هي للعبور، أي ان الناس لا يرغبون في البقاء فيها إلا اقل وقت ممكن، لكن المطلوب هو وقف هذا الهدر من الكرامة، المطلوب هو تخفيف الأعباء المالية والنفسية والجسدية على المواطن المسافر، الذي قد يكون شيخا او مريضا او طفلا او امرأة حامل او من ذوي الاحتياجات الخاصة، الناس لا ترغب في المكوث في هذا المكان إلا اقل وقت ممكن، لكن المطلوب هو اكبر قدر من الكرامة، وما تمارسه دولة الاحتلال هو أقصى ما يمكن ان يمارس من إذلال ومهانة وتعذيب يرقى في كثير من الأحيان الى الجرائم المنظمة والمبيتة. ومرة أخرى نعاود القول بأن المطلوب من الجميع العمل على تحسين ظروف الحركة والسفر بأقل تكاليف ممكنة وبأكبر قدر من الحرية والكرامة.
20 تموز 2010

(75)    هل أعجبتك المقالة (80)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي