أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

من يوم (( الحشر )) تحت جسر السيّد الرئيس في دمشق إلى حلم حمص .. ندره . ع . يازجي

(( كنا نسير كما لو أننا فرقة عسكرية تهبط على المدينة ))..
هذه العبارة وردت في كتاب للفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، قرأته منذ زمن طويل ونسيت ما فيه إلاّ هذه العبارة. وتذكرتها وأنا أنتهي من نزول درجات جسر الرئيس في دمشق وأدخل ساحة انطلاق (( السرافيس )) والحافلات إلى أنحاء المدينة. واجهني منظرٌ مكتئِب لساحة خالية من السرافيس، تتجمعٌ على أطرافها حشود من مختلف الأعمار والأشكال من الناس. الذين أتوا للتوّ أو قبل فترة وجيزة ما يزالون يتراكضون أو يهرولون أو يمدّون أعناقهم وصدورهم إلى السرفيس القادم. أما من أتوا قبلهم وعلى مراحل، كانوا يقفون وراءهم وقد تراجعوا إلى خلفية المشهد، يتحركون ببطء أو لا يتحركون بتاتاً، كأنهم فقدوا الأمل في الحصول على موطئ قدم في سرفيس متجه إلى حيث يسكنون.. هذه المرةّ لم يخامرني قدرٌ كبير من الذهول كما حصل معي في المرة السابقة قبل أسبوعين عندما أتيت إلى هذا المكان وفي التوقيت نفسه قادماً من القرية إلى دمشق.
في المرّتين كانت الساعة حوالي العاشرة والنصف مساءً، وفي المرتين كان حرُّ النهار لا يزال ينفث تعَبَاً ووجوماً على الوجوه وفي الهواء الثقيل من حولهم.. التفتُّ إلى شابّ بجواري وسألته لمَ هذه الزحمة اليوم؟! اهتّزَ رأسه بألم واضح، وأجاب ببطء: بسّ اليوم!! ( وبالعربية الفصحى: اليوم فقط!!؟؟ ). لمحتُ في تلك اللحظة سرفيس مشروع دمّر قادماً بسرعة باتجاهنا، فهجمت مع أشخاص آخرين عليه وانحشرنا في بابه وارتميت في بقعة الفراغ الوحيدة المتبقية فيه وكانت هي (( الهضبة )) المرتفعة في أرضه فوق الدولاب. توجّه السرفيس بصمت وبركّابه الصامتين في شارع بيروت إلى طريق الربوة.
قبل الوصول إلى ساحة الأمويين، شعرت بيَدّ تلمس كتفي من الخلف، التفتّ. كان شابّاً صغيراً
يجلس في يمين المقعد الخلفي ويشيرُ لي أن أجلسَ مكانه.. .. كان وجهه يقطر أدباً ولطفاً ولكن لا أعرف لمَ كان يقطرُ خجلاً أيضاً.. هل أربكه منظر الشيب في رأسي، أم هي أثار وتداعيات الموقف الذي كنا فيه سويّةً منذ لحظات؟!. شكرته بحرارة قائلاً أنني مرتاح في مكاني هذا، وعدتُ إلى شرودي والنظر من نافذة السرفيس.
في بداية مشروع دمّر وقريباً من (( السوق المركزي )) أيقظني من شرودي منظر لوحة كبيرة تأخذ شكل مجسَّمِ متوازي مستطيلات أو معين ،لم تتبين لي تفاصيلها جيّداً، ولكنني استطعت أن أتميّز فيها بعض الكلمات والخطوط من مثل :حلم حمص. تلكلخ. المخرم. ولمحت في الوسط كلمة: الوادي. ولأن لي بعض الخبرة في الأحلام وأمارسها في بعض الأحيان حتى أصبحت أتنبأ بنهاية الحلم منذ بدايته، فقد التفت إلى نفسي وضحكت، وداعبتها بالقول: لماذا تأتين في كل مرة إلى كابوس الزحمة والحرّ في دمشق، وتتركين الحلم اللذيذ في قريتك في محافظة حمص؟.

(84)    هل أعجبتك المقالة (99)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي