أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ما بين البكيني والحجاب ... رشيد شاهين

من الواضح ان هنالك هجمة أو توجه في أكثر من دولة غريبة باتجاه منع الحجاب، هذه الهجمة تتفاوت بين دولة وأخرى، فبعض الدول تحاول فرض تشريعات تمنع لبس الحجاب بشكل شبه مطلق، وبعضها يتجه إلى منعه في بعض المؤسسات والدوائر الرسمية أو غير الرسمية، كما تثار بين فينة وأخرى قضية رفع الأذان في المساجد في المدن الأوروبية او الغربية بشكل عام او حتى السماح ببناء او عدم السماح ببناء المساجد في تلك المدن، مثل هذه الأخبار التي كثرت في السنوات الأخيرة، عادة ما تخلق ردود أفعال اقل ما يمكن ان توصف به هو انها عاصفة تميل الى الغضب أكثر منها الى الموضوعية.
إثارة مثل هذا المواضيع وغيرها مما يتعلق بالقضايا التي ترتبط بشكل أو بآخر بالمعتقدات الدينية، تثير حساسية كبيرة، خاصة لدى من يعتقدون انهم ورثة الله على الأرض، وانه تم انتدابهم كحماة للمعتقدات الدينية، وهذا ما يجلب بالتالي ردود فعل يغلب عليها الانفعال والابتعاد عن الموضوعية، وتكون أكثر ميلا الى المغالاة منها الى المنطق.
موضوع الحجاب بالتحديد،وكما هو معلوم محل خلاف لدى علماء المسلمين، وبرغم ان الأغلبية من هؤلاء العلماء تميل الى ترجيح لبس الحجاب، إلا ان هنالك من بين هؤلاء من يعتبر ان الحجاب ليس مفروضا او واجبا، وهم بذلك إنما يجتهدون على اعتبار ان لكل مجتهد نصيب حتى لو اخطأ في اجتهاده، أما في موضوع النقاب او البرقع، فهنالك اختلاف واضح بين المذاهب، لا بل ان مذهب أبي حنيفة ومالك ينص صراحة على ان تغطية الوجه - واليدين- غير واجبة.
وبالعودة الى ما يتم سنه من قوانين في بعض الدول الغربية بكل ما يتعلق بالقضايا المشار إليها وعلى رأسها منع ظاهرة النقاب، فاننا لا نرى بان هذا الموضوع يستحق كل هذه الردود الغاضبة، لا بل نعتقد بانها غير مبررة، خاصة اذا ما تم الاستناد الى مواقف علماء المسلمين الذين يقولون بعدم وجوب تغطية الوجه، حتى لو افترضنا ان من قال بذلك مجموعة قليلة جدا من هؤلاء العلماء.
ان تقرر فرنسا او بلجيكا او غيرهما منع لبس النقاب، فان هذا من شأن تلك الدول، (برغم ما قد يقال عن الحقوق والحريات الشخصية)، فهي على أية حال ليست دولا إسلامية، وهي ذات ثقافات مختلفة، ولديها اعتقادات ومبادئ بالضرورة مختلفة تماما عن معتقدات المسلمين، ومن هنا، فاننا لا نرى بان هنالك ضرورة لكل ردود الأفعال التي تحدث في العالم الإسلامي حول تلك التشريعات او القوانين.
ولكي نلامس الموضوع بشكل أكثر وضوحا وصراحة حتى نكون أكثر واقعية، وحتى نكون أكثر مصداقية مع أنفسنا،- هذا لن يعجب الكثير من القراء- فان علينا ان ننظر حولنا في العالم العربي بشكل خاص، حيث يعلم الكثير منا ان هنالك بعض المدن التي تتسم بصبغة مسيحية، لم يتم بناء مساجد فيها إلا خلال السنوات القليلة الماضية، لا بل ان أهالي تلك المدن او القرى، ما زال كثير منهم يرفضون بيع أراضيهم او ممتلكاتهم لغير المسيحيين، ومن هنا فان السؤال هو اذا كان هؤلاء وهم أبناء وطن واحد وقومية واحدة وثقافة وتاريخ واحد يقومون بذلك، فلماذا يتم توجيه الانتقادات للآخرين.
من جهة أخرى، فان من الواضح ان سن قوانين وتشريعات في الدول الغربية يتم استنادا الى ما يعتقد بأنه يشكل جزءا أساسيا من ثقافتهم وقيمهم، وهذا بالضرورة ما ينطبق على الدول العربية وبشكل خاص وتحديدا السعودية، فهل يمكن لدولة مثل السعودية ان تسمح لمن هم من غير المسلمين او للرعايا العرب او الأجانب التجول على شاطئ جدة بالبكيني مثلا، ألا تمنع السعودية النساء من قيادة السيارات، او لا تمنع الاختلاط لان لديها ثقافتها وقيمها الخاصة، او لا تمنع السعودية على غير المسلم دخول مدينة مكة، هل تسمح السعودية بإقامة كنيسة في مكة او المدينة، او لا يفرض على الناس هناك من غير السعوديين ان يلتزموا بما هو سار من قيم في تلك الدولة، او لا يتم اتخاذ قرارات تتعلق بالحرية الشخصية في معظم الدول العربية وهي لا تمس فقط الأجنبي لا بل وحتى المواطن، لماذا لا يتم الحديث عنها، لماذا لا تقوم الدنيا ولا تقعد ضد حكومات الدول العربية التي تقر او تسن مثل هذه التشريعات والقرارات.
اليوم، وصلني عبر بريدي الاليكتروني رسالة من وكالة أنباء فلسطينية محلية تحمل خبرا يقول ما مفاده، "ان وزارة الداخلية في الحكومة المقالة عممت، مؤخراً، على أصحاب المطاعم والفنادق والشاليهات قراراً بمنع تقديم النارجيلة "الشيشة" للزبائن.
في حين قالت الشرطة في غزة إن القرار يخص النساء في الأماكن العامة فقط،
وأكدت المصادر ذاتها أن الحجة التي تم تقديمها للفنادق والمطاعم هي أن عدداً كبيراً من النساء يدخن النارجيلة في غزة بشكل "يخدش الحياء العام". والسؤال هو، إذا كان تدخين النرجيلة يخدش الحياء فما الذي لا يخدشه.؟
البعض يعتقد بأنه بدفاعه عن "حق" النساء في "التبرقع" في الدول الغربية، وبوقوفه ضد التشريعات والقوانين التي تتخذ في تلك الدول ضد النقاب وغيره من رموز الدين إنما يحاول الدفاع عن الإسلام، او ربما إظهار عدائه للدول الغربية على اعتبار انها كانت ولا زالت السبب الرئيسي في كل ما تعانيه الأمة العربية والأمم الإسلامية من تخلف. ومع إيماننا بان هذا قد يكون صحيحا، إلا اننا لا نتفق مع من يقول ان من حق العرب والمسلمين فرض ثقافتهم على الآخرين في بلدانهم، لأننا في الواقع وببساطة شديدة نرفض ان يفرض الآخر علينا ثقافته في بلادنا.
18 تموز 2010

(84)    هل أعجبتك المقالة (84)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي