كان المزارع المصري يسقي محاصيله بجوار نهر النيل جنوب العاصمة القاهرة ويتصفح هاتفه المحمول عندما علم بوفاة اثنين من أبنائه.
اطلع أشرف سعداوي عبد الفتاح على قائمة ارسلت على وسائل التواصل الاجتماعي بأسماء المصريين الذين قتلوا في الفيضانات المروعة التي اجتاحت مدينة درنة في ليبيا مساء الأحد.
وكان اسما ابنيه محمد ( 23 عاما)، وعبد الرحمن (19 عاما)، على القائمة، إلى جانب ستة أقارب، وعشرات الرجال الآخرين من قريتهم.
وقال عبد الفتاح للأسوشيتدبرس يوم الخميس خارج منزله في قرية نزلة الشريف بمحافظة بني سويف "إنها ليست صدمة كبيرة للعائلة فقط، بل للقرية بأكملها".
توفي ما لا يقل عن 74 رجلا من القرية، بعضهم لا يتجاوز عمره 17 عاما، عندما تسببت العاصفة دانيال في هطول أمطار غزيرة على درنة مساء الأحد. اونفجر سدان قرب المدينة، ما أدى إلى تدفق جدار من المياه بارتفاع طابقين أحدث دمارا وجرف أحياء بأكملها إلى البحر.
وأدى الطوفان إلى مقتل الآلاف في ثوان معدودة، حيث اقتلعت المباني السكنية وجرفت الطرق والجسور. تم الإبلاغ عن مقتل أكثر من 11300 شخص، وفقا للهلال الأحمر الليبي، منهم عشرات المصريين الذين عاشوا وعملوا في درنة لسنوات. ويجري الحفر وسط الطين وتحت المباني المنهارة في درنة بحثا عن 10 آلاف مفقود يخشى أن يكونوا قد لقوا حتفهم.


وقال رشاد عزت عبد الحميد، وهو مصري يبلغ من العمر 45 عاماً نجا من الكارثة "كان الأمر أشبه بالجحيم"، وإنه وسبعة مصريين آخرين هرعوا إلى سطح مبنى مكون من ثلاثة طوابق عندما اجتاح جدار المياه شارعهم بوسط المدينة.
وأضاف أن عددا لا يحصى من الأشخاص جرفتهم المياه، وعندما هبط من سطح المبنى بعد أن هدأت العاصفة قليلا، كان المشهد مروعا.
فقد تناثرت الجثث والملابس والسيارات المحطمة والأثاث في الشوارع، وقد غطاها الطين والحطام، وانهارت المباني أو دمرت جزئيا. ووجد الناس حوله ينتحبون وهم يبحثون عن أحبائهم ويحاولون انتشال العالقين تحت الأنقاض.
وقال عبد الحميد، الذي عاد إلى مصر يوم الخميس، إن آخرين جرفتهم الأمواج إلى البحر، مضيفا "غرقت عائلات بأكملها داخل منازلها.. لم يبق شيء سوى الأنقاض".
وفي تصريحات لقناة العربية قال عمدة درنة، عبد المنعم الغيثي، في وقت سابق من الأسبوع إن عدد القتلى قد يرتفع إلى 20 ألفا، بالنظر إلى عدد الأحياء التي أغرقتها المياه.
وقال الناجي عبد الحميد إن آلاف المصريين يعيشون في درنة، معظمهم يعملون في مشروعات بناء في المدينة والمناطق المحيطة.
وكان قد وصل إلى هناك قبل ستة أشهر فقط.
تقول السلطات الليبية إنه عثر حتى الآن على جثث 145 مصريا في درنة. وأعلنت الخارجية المصرية أن عشرات المصريين دفنوا في ليبيا، بينما جرى نقل 84 إلى مدينة طبرق القريبة، ومنها جوا إلى مصر.
في نزلة الشريف، على بعد 167 كيلومترا من القاهرة، تم دفن 74 من رجال القرية في جنازة جماعية يوم الأربعاء حضرها مسؤولون محليون ومئات القرويين.

وقال مصطفى عويس مصطفى، وهو موظف حكومي متقاعد "فقدت بعض العائلات ابنا واحدا، وبعضها اثنين، وفقد آخرون ثلاثة.. ذهب هؤلاء الشباب إلى هناك لمساعدة أسرهم".
سافر محمد، نجل عبد الفتاح، إلى ليبيا قبل ثلاث سنوات لتحسين مستوى معيشتهم، حيث عمل كعامل يومية في درنة، وكان يرسل كل ما يمكنه توفيره من مال إلى والده من اجل نفقات الأسرة.
وفي وقت سابق من العام، انضم عبد الرحمن إلى شقيقه في درنة بعد عامين من البحث عن عمل في مصر دون جدوى، على حد قول والدهما.
ويضيف "آخر مرة تحدثت اليهما كانت يوم 8 سبتمبر أيلول، عبر مكالمة مصورة لمدة نصف ساعة مع بقية أفراد الأسرة. وتحدث محمد مع والدته عن خططه للزواج واستمع سعيدا إلى أخبار مسكنه الجديد الذي كان يعده للزواج فيه، والذي كان والده يشيده له، بإضافة طابق ثالث الى منزل العائلة."
كما توفي أبناء شقيق عبد الفتاح الثلاثة في درنة. وقال إن والدتهم في حالة صدمة، ولم تعد قادرة على الحديث.
وتابع دامعا "لقد دمرت الأسرة بأكملها".
لا يجد عبد الفتاح سوى القليل من العزاء في حقيقة أنه تمكن من دفن أبنائه، فقلبه مع القرويين الآخرين الذين دفن أبناؤهم على بعد مئات الكيلومترات في مقابر جماعية في ليبيا.
يواصل عبد الفتاح النظر إلى صور أبنائه على هاتفه، وتخنقه الدموع، فيقول "أرادوا أن نعيش حياة أفضل... إنها كارثة.. كارثة للقرية بأكملها".
أ.ب
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية